كما هو الحال في يهود بني النضير وبني قريظة ، فواجههم النّبي بشدة وطردهم من المدينة ، لكن بعض المعاهدات بقيت سارية المفعول ، سواء كانت ذات أجل مسمى أو لم تكن.
الآية الأولى من الآيتين محل البحث تعلن للمشركين كافة (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
ثمّ أمهلتهم مدّة أربعة أشهر ليفكروا فيها ويحدّدوا موقفهم من الإسلام ، فإمّا أن يتركوا عبادتهم للأصنام ، أو يتهيئوا للمواجهة والقتال ، فقالت : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُر(١) وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ)
* * *
ملاحظتان
١ ـ هل يصحّ إلغاء المعاهدة من جانب واحد؟!
نحن نعرف أنّ الإسلام أولى أهمية قصوى للوفاء بالعهد والالتزام بالمواثيق حتى مع الكفار والمشركين ، وهنا ينقدح سؤال وهو : كيف أمر القرآن بإلغاء العهود التي كانت بين المسلمين والمشركين من جانب واحد؟!
ويتّضح الجواب بملاحظة الأمور التالية :
أوّلا : كما صرّح في الآيتين (٧) و (٨) من هذه السورة فإنّ إلغاء هذا العهد لم يكن دون أية مقدمة ، بل هناك قرائن ودلائل ظهرت من جانب المشركين تدلّ على نقضهم عهدهم ، وأنّهم كانوا على استعداد ـ في ما لو استطاعوا ـ أن يوجهوا ضربة قاضية للمسلمين دون أدنى اعتناء بعهودهم التي عاهدوها ، ومن المنطقي
__________________
(١) «سيحوا» فعل أمر مشتق من «السياحة» ومعناها الجولة الهادفة.