السابقة واضح ، لأنّ الكلام كان في الآية السابقة على عدم علم أحد بقيام الساعة إلّا الله ، والكلام في هذه الآية على نفي علم الغيب عن العباد بصورة كلية.
ففي الجملة الأولى من هذه الآية خطاب للنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ).
ولا شك أنّ كل إنسان يستطيع أن ينفع نفسه ، أو يدفع عنها الشر ، ولكن على الرغم من هذه الحال فإنّ الآية ـ محل البحث ، كما نلاحظ ـ تنفي هذه القدرة عن البشر نفيا مطلقا. وذلك لأنّ الإنسان في أعماله ليس له قوّة من نفسه ، بل القوّة والقدرة والاستطاعة كلّها من الله ، وهو سبحانه الذي أودع فيه كل تلك القوّة والقدرة وما شاكلهما.
وبتعبير آخر : إنّ مالك جميع القوى والقدرات وذو الإختيار المستقل ـ وبالذات ـ في عالم الوجود هو الله عزوجل فحسب ، والآخرون حتى الأنبياء والملائكة يكتسبون منه القدرة ويستمدون منه القوّة ، وملكهم وقدرتهم هي بالغير لا بالذات ... وجملة «إلّا ما يشاء الله» شاهد على هذا الموضوع أيضا.
وفي كثير من آيات القرآن الأخرى نرى نفي المالكية والنفع والضرر عن غير الله ، ولذلك فقد نهت الآيات عن عبادة الأصنام وما سوى الله سبحانه ... ونقرأ في الآيتين (٣) و (٤) من سورة الفرقان (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) فكيف يملكون لغيرهم؟!
وهذه هي عقيدة المسلم ، إذ لا يرى أحدا «بالذات» رازقا ومالكا وخالقا وذا نفع أو ضرر إلّا الله ، ولذا فحين يتوجه المسلم إلى أحد طالبا منه شيئا فهو يطلبه مع التفاته إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ ما عند ذلك الشخص فهو من الله (فتأمل بدقّة).