وكأنّ جملة (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) إشارة إلى هذه النقطة ، وهي : أنّ التوجه إلى حقيقة التوحيد موجودة من البداية في الروح الآدمية ، ولكنّه على أثر التربية غير الصحيحة أو بطر النعمة ينساها الإنسان ، وعند حلول البلايا والأزمات يتذكر ذلك مجددا ، ومادة «تذكر» تناسب هذا المعنى.
هذا والجدير بالانتباه أنّ جملة (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) جاءت في ذيل الآية (٩٤) وهي مقدمة أخرى ـ في الحقيقة ـ لأنّ الإنسان يتذكر أوّلا ، ثمّ يخضع ويسلّم ، أو يطلب من الله الصفح والمغفرة.
ولكن بدل أن يستوعب «آل فرعون» هذه الدروس الإلهية ، ويستيقظوا من غفلتهم وغفوتهم العميقة ، أساءوا استخدام هذا الظرف والحالة ، وفسّروها حسب مزاجهم ، فإذا كانت الأحوال مؤاتية ومطابقة لرغبتهم ، وكانوا يعيشون في راحة واستقرار قالوا : إنّ الوضع الحسن هو بسبب جدارتنا ، وصلاحنا (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ).
ولكن عند ما تنزل بهم النوائب فإنّهم ينسبون ذلك إلى موسى عليهالسلام وجماعته فورا ويقولون هذا من شومهم : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ).
و «يطّيروا» مشتقة من مادة «تطيّر» بمعنى التشاؤم ، وأصلها من الطير ، فقد كان العرب غالبا ما يتشاءمون بواسطة الطيور. وربّما تشاءموا بصوت الغراب ، أو بطيران الطير ، فإذا طار من ناحية اليسار اعتبروا ذلك علامة الشقاء والفشل ، وكلمة التطير تعني مطلق التشاؤم.
ولكن القرآن الكريم قال في معرض الردّ عليهم : اعلموا أنّ منشأ كل شؤم وبلاء أصابكم انّما هو من قبل الله ، وأنّ الله تعالى أراد أن تصيبكم نتيجة أعمالكم المشؤومة ، ولكن أكثرهم لا يعلمون (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
والجدير بالتأمل أن هذا النمط من التفكير لم يكن خاصا بالفرعونيين ، بل