وبعد أن تراءت الفئتان أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام وطغمة معاوية حكم فيهم كتاب الله تعالى بقوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (١) وبها استدلّ أئمّة الفقه كالشافعيّ على قتال أهل البغي (٢) ، وأصحاب معاوية هم الفئة الباغية بنصّ من الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣).
وقال محمد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفّى (١٨٧) : لو لم يقاتل معاوية عليّا ظالماً له ، متعدّياً باغياً ، كنّا لا نهتدي لقتال أهل البغي. الجواهر المضيئة (٢ / ٢٦).
قال القرطبي في تفسيره (٤) (١٦ / ٣١٧) : في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية ، المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين.
وقال : قال القاضي أبو بكر بن العربي (٥) : هذه الآية أصل في قتال المسلمين : والعمدة في حرب المتأوّلين ، وعليها عوّل الصحابة ، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملّة ، وإيّاها عنى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : «تقتل عمّاراً الفئة الباغية». وقوله عليهالسلام في الخوارج : «يخرجون على خير فرقة أو على حين فرقة». والرواية الأولى أصحّ لقوله عليهالسلام : «تقتلهم أولى الطائفتين إلى الحقّ» ، وكان الذي قتلهم عليّ بن أبي طالب ومن كان معه. فتقرّر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أنّ عليّا رضى الله عنه كان إماماً ، وأنّ كلّ من خرج عليه باغٍ ، وأنّ قتاله واجب حتى يفيء إلى الحقّ ، وينقاد إلى الصلح. انتهى
وقال الزيلعي في نصب الراية (٤ / ٦٩) : وأمّا أنّ الحق كان بيد عليّ في نوبته ،
__________________
(١) الحجرات : ٩.
(٢) سنن البيهقي : ٨ / ١٧١. (المؤلف)
(٣) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث. (المؤلف)
(٤) الجامع لأحكام القرآن : ١٦ / ٢٠٨.
(٥) أنظر العواصم والقواصم : ص ١٦٨ ـ ١٧٠.