هذا معاوية ومبلغه من العلم بالسنّة.
الإجماع :
قد عرفت آنفاً أنّ من مدارك الاجتهاد في الأحكام الشرعيّة ومبادئها : الإجماع ، ولعلّ أقسط تعاريفه ما قاله الآمدي في الاحكام (١) (١ / ٢٨٠) : إنّه اتّفاق جملة من أهل الحلّ والعقد من أُمّة محمد في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع.
فهلمّ ولننظر إلى معاوية وأقواله ، وتقوّلاته ، وأعماله ، وجرائمه ، وفقهه ، واجتهاده ، هل يقع شيء منها في معقد من معاقد الإجماع؟ وأين أُولئك الفقهاء ، وأهل الحلّ والعقد في الفقه والدين الذين أصفقوا مع معاوية على ما عنده من بدع وتافهات؟ ومن كان منهم يومئذ ليطلوا سقطات معاوية الشاذّة بالإجماع؟ وهل كان مباءة الفقهاء يومئذٍ في غير المدينة المنوّرة من الصحابة الأوّلين والتابعين لهم بإحسان؟ وفي بلاد غيرها انتشروا منها إليها ، وكلّهم كانوا في منتأىً عن ابن هند وآرائه ، ولم يزل هو يناوئهم ويضادّهم في القول والعمل ويتحرّى الوقيعة فيهم.
نعم ؛ كان يصافقه على مخاريقه حثالة من طغام الشام ، الذين حدتهم النهمة والشره وهملج بهم المطامع والشهوات ، فما قيمة اجتهاد يكون هذا أحد مبادئه؟
القياس :
المعتبر من القياس عند أئمّة السنّة والجماعة أن يكون المناط منصوصاً عليه في الكتاب والسنّة ، أو مخرّجاً عنهما بالبحث والاستنباط إمّا بنوعه أو بشخصه (٢) ، ولم
__________________
(١) الإحكام في أصول الأحكام : ١ / ٢٥٤.
(٢) راجع الكلمات التي أسلفناها في هذا الجزء تحت عنوان : الاجتهاد ما ذا هو؟ (المؤلف)