وقد بلغت مغالاة أمّة من الحنفيّة إلى حدّ زعمت أنّه أعلم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال عليّ بن جرير : كنت في الكوفة فقدمت البصرة وبها عبد الله بن المبارك ، فقال لي : كيف تركت الناس؟ قال : قلت : تركت بالكوفة قوماً يزعمون أنّ أبا حنيفة أعلم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، [قال : كفروا] (١) ، قلت : اتّخذوك في الكفر إماماً ، قال : فبكى حتى ابتلّت لحيته ـ يعني أنّه حدّث عنه. تاريخ بغداد (١٣ / ٤٤١).
وعن عليّ بن جرير قال : قدمت على ابن المبارك فقال له رجل : إنّ رجلين تماريا عندنا في مسألة ، فقال أحدهما : قال أبو حنيفة ، وقال الآخر : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : كان أبو حنيفة أعلم بالقضاء ، فقال ابن المبارك : أعد عليّ ، فأعاد عليه ، فقال : كفر كفر ، قلت : بك كفروا ، وبك اتّخذوا الكافر إماماً. قال : ولِمَ؟ قلت : بروايتك عن أبي حنيفة ، قال : أستغفر الله من رواياتي عن أبي حنيفة. تاريخ بغداد (١٣ / ٤٤٢).
وعن فضيل بن عياض قال : إنّ هؤلاء أُشربت قلوبهم حبّ أبي حنيفة ، وأفرطوا فيه ، حتى لا يرون أنّ أحداً كان أعلم منه. حلية الأولياء (٦ / ٣٥٨).
وكان محمد بن شجاع أبو عبد الله ـ فقيه أهل العراق ـ يحتال في إبطال الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وردّه ، نصرة لأبي حنيفة ورأيه. تاريخ بغداد (٥ / ٣٥١).
وهناك قوم قابلوا هؤلاء بالطعن على إمامهم ، وشنّوا عليه الغارات ، وتحاملوا عليه بالوقيعة فيه ، لا يسعنا ذكر جلّ ما وقفنا عليه من ذلك فضلاً عن كلّه ، غير أنّا نذكر منه النزر اليسير.
قال ابن عبد البرّ (٢) : فممّن طعن عليه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري
__________________
(١) الزيادة من المصدر.
(٢) في الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمّة الفقهاء : مالك والشافعي وأبي حنيفة : ص ١٤٩. (المؤلف)