أبي ، قال : كنت جالساً بحضرة عضد الدولة ونحن مخيِّمون بالقرب من مصلّى الأعياد في الجانب الشرقي من مدينة السلام ، نريد الخروج معه إلى همذان في أوّل يوم نزل المعسكر ، فوقع طرفه على البناء الذي على قبر النذور ، فقال لي : ما هذا البناء؟ فقلت : هذا مشهد النذور ، ولم أقل قبر لعلمي بطيرته من دون هذا واستحسن اللفظة ، وقال : قد علمت أنّه قبر النذور وإنّما أردت شرح أمره ، فقلت : هذا يُقال إنّه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ويقال : إنّه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، وإنّ بعض الخلفاء أراد قتله خفيّا ، فجعلت له هناك زُبْية وسيّر عليها وهو لا يعلم فوقع فيها ، وهيل عليه التراب حيّا ، وإنّما شهر بقبر النذور لأنّه ما يكاد يُنذر له نذر إلاّ صحّ وبلغ الناذر ما يريد ، ولزمه الوفاء بالنذور ، وأنا أحد من نذر له مراراً لا أحصيها كثرةً نذوراً على أُمور متعذّرة ، فبلغتها ولزمني النذر فوفيت به ، فلم يتقبّل هذا القول وتكلّم بما دلّ على أنّ هذا إنّما يقع منه اليسير اتّفاقاً فيتسوّق العوام بأضعافه ويسيّرون الأحاديث [الباطلة] (١) فيه ، فأمسكت.
فلمّا كان بعد أيّام يسيرة ونحن معسكرون في موضعنا ، استدعاني في غدوة يوم وقال : اركب معي إلى مشهد النذور ، فركبت وركب في نفر من حاشيته إلى أن جئت به إلى الموضع ، فدخله وزار القبر وصلّى عنده ركعتين سجد بعدهما سجدة أطال فيها المناجاة بما لم يسمعه أحد ، ثمّ ركبنا معه إلى خيمته وأقمنا أيّاماً ، ثمّ رحل ورحلنا معه يريد همذان فبلغناها وأقمنا فيها معه شهوراً ، فلمّا كان بعد ذلك استدعاني وقال لي : ألست تذكر ما حدّثتني به في أمر مشهد النذور ببغداد؟ فقلت : بلى. فقال : إنّي خاطبتك في معناه بدون ما كان في نفسي اعتماداً لإحسان عشرتك ، والذي كان في نفسي في الحقيقة أنّ جميع ما يُقال فيه كذب ، فلمّا كان بعد ذلك بمديدة طرقني أمر
__________________
(١) الزيادة من المصدر.