ذلك ، بل على الإنسان فعلها وإنكار البدع ، بل وإزالتها إن أمكنه.
وقد ذكر الفقهاء في الطواف المندوب فضلاً عن الواجب أنَّه يُفعل ولو مع وجود النساء وكذا الرمي ، لكن أمروه بالبعد عنهنّ ، وكذا الزيارة يفعلها لكن يبعد عنهنّ ، وينهى عمّا يراه محرّماً بل ويزيله إن قدر كما مرَّ ، هذا إن لم تتيسّر له الزيارة إلاّ مع وجود تلك المفاسد ، فإن تيسّرت مع عدم المفاسد ، فتارةً يقدر على إزالة كلّها أو بعضها فيتأكّد له الزيارة مع وجود تلك المفاسد ليزيل منها ما قدر عليه ، وتارةً لا يقدر على إزالة شيء منها ، فالأولى له الزيارة في غير زمن تلك المفاسد ، بل لو قيل : يمنع منها حينئذٍ لم يبعد.
ومن أطلق المنع من الزيارة خوف ذلك الاختلاط يلزمه إطلاق منع نحو الطواف والرمي ، بل والوقوف بعرفة أو مزدلفة والرمي إذا خشي الاختلاط أو نحوه ، فلمّا لم يمنع الأئمّة شيئاً من ذلك ـ مع أنَّ فيه اختلاطاً أيّ اختلاط ـ ، وإنّما منعوا نفس الاختلاط لا غير فكذلك هنا. ولا تغترَّ بخلاف من أنكر الزيارة خشية الاختلاط ؛ فإنّه يتعيّن حمل كلامه على ما فصّلناه وقرّرناه ، وإلاّ لم يكن له وجه.
وزعمُ أنَّ زيارة الأولياء بدعة لم تكن في زمن السلف ممنوع ، وبتقدير تسليمه فليس كلّ بدعة يُنهى عنها ، بل قد تكون البدعة واجبةً ، فضلاً عن كونها مندوبة كما صرّحوا به.
٥ ـ قال الشيخ محمد الخطيب الشربيني المتوفّى (٩٧٧) في المغني (١) (١ / ٣٥٧) : يسنُّ الوضوء لزيارة القبور كما قاله القاضي حسين في شرح الفروع ، ويسلِّم الزائر للقبور من المسلمين مستقبلاً وجهه ، ويقرأ عنده من القرآن ما تيسّر ، ويدعو له عقب القراءة رجاء الإجابة ؛ لأنَّ الدعاء ينفع الميّت ، وهو عقب القراءة أقرب إلى الإجابة ،
__________________
(١) مغني المحتاج : ١ / ٣٦٥.