تحقّق لذوي البصائر والاعتبار أنَّ زيارة قبور الصالحين محبوبة لأجل التبرّك مع الاعتبار ، فإنَّ بركة الصالحين جارية بعد مماتهم كما كانت في حياتهم ، والدعاء عند قبور الصالحين والتشفّع بهم معمول به عند علمائنا المحقّقين من أئمّة الدين.
ولا يعترض على ما ذكر من أنَّ من كانت له حاجة فليذهب إليهم وليتوسّل بهم بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا تُشَدُّ الرحال إلاّ لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، والمسجد الأقصى».
وقد قال الإمام الجليل أبو حامد الغزالي ـ رحمهالله تعالى ـ في كتاب آداب السفر من كتاب الإحياء (١) له ما هذا نصه : القسم الثاني وهو أن يسافر لأجل العبادة إمّا لجهاد أو حجّ ـ إلى أن قال ـ : ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبياء وقبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء ، وكلّ من يتبرّك بمشاهدته في حياته يتبرّك بزيارته بعد وفاته ، ويجوز شدُّ الرحال لهذا الغرض ، ولا يمنع من هذا قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تُشَدُّ الرحال إلاّ لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، والمسجد الأقصى» ؛ لأنَّ ذلك في المساجد لأنّها متماثلة بعد هذه المساجد ، وإلاّ فلا فرق بين زيارة الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل ، وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله ، والله تعالى أعلم.
٢ ـ قال عزّ الدين الشيخ يوسف الأردبيلي الشافعي المتوفّى (٧٧٦) في الأنوار لأعمال الأبرار في الفقه الشافعي (١ / ١٢٤) : ويستحبّ للرجال زيارة القبور وتكره للنساء ، والسنّة أن يقول : سلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون ، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنّا بعدهم واغفر لنا ولهم. وأن يدنو من القبر كما كان يدنو من صاحبه حيّا ، وأن يقف متوجِّهاً إلى القبر ، وأن يقرأ ويدعو ؛
__________________
(١) إحياء علوم الدين : ٢ / ٢٢٨.