عرفتُ ويا ليتني ما عرفتُ |
|
فمرُّ الحياةِ لمن قد عرفْ |
فها أنا ذا طولَ هذا الزمانِ |
|
بين الجوى تارةً والأسفْ |
فمن راحلٍ لا إيابٌ له |
|
وماضٍ وليس له من خلَفْ |
فلا الدهرُ يُمتعني بالمقيمِ |
|
ولا هو يُرجِعُ لي من سلفْ |
أرونيَ إن كنتمُ تقدرون |
|
من ليسَ يكرعُ كأسَ التلفْ |
ومن ليس رهناً لداعي الحِمامِ |
|
إذا ما دعا باسمه أو هتفْ |
وما الدهر إلاّ الغَرورُ الخدوعُ |
|
فما ذا الغرامُ به والكَلَفْ |
وما هو إلاّ كلمحِ البُروقِ |
|
وإلاّ هبوبُ خريفٍ عصفْ |
ولم أرَ يوماً وإن ساءني |
|
كيومِ حمامِ كمالِ الشرفْ |
كأنِّيَ بعدَ فراقٍ له |
|
وقطعٍ لأسبابِ تلك الألفْ |
أخو سَفَرٍ شاسعٍ ما لهُ |
|
من الزادِ إلاّ بقايا لَطَفْ (١) |
وعوّضني بالرقادِ السهادَ |
|
وأبدلني بالضياءِ السدفْ |
فراقٌ وما بعده ملتقىً |
|
وصدٌّ وليس له منعطفْ |
وعاتبت فيك صروفَ الزمانِ |
|
ومن عاتب الدهرَ لم ينتصفْ |
وقد خطف الموتُ كلَّ الرجالِ |
|
ومثلك من بيننا ما خطفْ |
وما كنتَ إلاّ أبيَّ الجَنانِ |
|
على الضيمِ محتمياً بالأَنَفْ |
خليّا من العارِ صِفْرَ الإزارِ |
|
مدى الدهرِ من دنسٍ أو نَطَفْ |
وأذري الدموعَ ويا قلّما |
|
يرُدُّ الفوائتَ دمعٌ ذَرَفْ |
ومن أين ترنو إليك العيونُ |
|
وأنت ببَوْغائها في سجفْ |
فَبِنْ ما مُلِلْتَ وكم بائنٍ |
|
مضى موسعاً من قلىً أو شَنَفْ (٢) |
وسُقِّي ضريحك بين القبورِ |
|
من البرِّ ماشئته واللُّطفْ |
__________________
(١) اللَّطَف : اليسير من الطعام.
(٢) الشنَف : البغض.