ولا تغترر منهمْ بحسنِ بشاشةٍ |
|
فأكثرُ إيماضِ البوارقِ خُلّبُ |
وأصغِ إلى ما قلتُهُ تنتفعْ به |
|
ولا تطّرحْ نصحي فإنّي مجرِّبُ |
فما تنكُر الأيّامُ معرفتي بها |
|
ولا إنّني أدرى بهنّ وأدربُ |
وإنّي لأقوامٍ جذيلٌ محكّكٌ |
|
وإنّي لأقوامٍ عُذيقٌ مرجّبُ |
عليمٌ بما ترضى المروءةُ والتقى |
|
خبيرٌ بما آتي وما أتجنّبُ |
حلبتُ أفاويقَ الزمانِ براحةٍ |
|
تدرُّ بها أخلافُه حين تحلبُ |
وصاحبت هذا الدهَر حتى لقد غدتْ |
|
عجائبُه من خبرتي تتعجّبُ |
ودوّختُ أقطارَ البلادِ كأنّني |
|
إلى الريح أُعزى أو إلى الخضر أُنسبُ |
وعاشرتُ أقواماً يزيدون كثرةً |
|
على الألف أو عدّ الحصى حين يحسبُ |
فما راقني في روضهم قطُّ مرتعٌ |
|
ولا شاقني في وِردِهم قطُّ مشربُ |
تراني وإيّاهمْ فريقين كلّنا |
|
بما عنده من عزّة النفسِ معجبُ |
فعندهمُ دنيا وعندي فضيلةٌ |
|
ولا شكَّ أنّ الفضل أعلى وأغلبُ |
على أنّ ما عندي يدومُ بقاؤه |
|
عليَّ ويفنى المالُ عنهمْ ويذهبُ |
أُناسٌ مضى صدرٌ من العمرِ عندَهمْ |
|
أُصعّدُ ظنّي فيهمُ وأُصوِّبُ |
رجوتُ بهم نيلَ الغنى فوجدتُهُ |
|
كما قيلَ في الأمثالِ عنقاء مغربُ |
وكسّل عزمَ المدحِ بعد نشاطِهِ |
|
ندى ذمِّه عندي من المدحِ أوجبُ |
كأنّ القوافي حين تُدعى لشكرِهمْ |
|
على الجمرِ تمشي أو على الشوكِ تُسحبُ |
أفوه بحقٍّ كلّما رمتُ ذمَّهمْ |
|
وما غيرُ قولِ الحقِّ لي قطُّ مذهبُ |
وأصدق إلاّ أن اريد مديحَهُمْ |
|
فإنّي على حكمِ الضرورةِ أكذبُ |
ولو علموا صدقَ المدائحِ فيهمُ |
|
لكانتْ مساعيهمْ تهشُّ وتطربُ |
ولكن دروا أنّ الذي جاء مادحاً |
|
بغيرِ الذي فيهم يسبّ ويثلبُ |
وما زال هذا الأمرُ دأبي ودأبَهم |
|
أغالب لومي فيهمُ وهو أغلبُ |
إلى أن أذلّتني الليالي وأعتبتْ |
|
وما خلتُها بعد الإساءةِ تعتبُ |
فهاجرتُ نحو الصالحِ الملكِ هجرةً |
|
غدتْ سبباً للأمن وهو المسبّبُ |