هذا الباب وسلّطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو لم نثق بصحّة كلام منقول عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبداً ، وساغ لطاعن أن يطعن ويقول : هذا الخبر منحول ، وهذا الكلام مصنوع ، وكذلك ما نُقل عن أبي بكر وعمر من الكلام والخطب والمواعظ والأدب وغير ذلك ، وكلّ أمر جعله هذا الطاعن مستنداً له فيما يرويه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة الراشدين والصحابة والتابعين والشعراء والمترسّلين والخطباء ، فلناصري أمير المؤمنين عليهالسلام أن يستندوا إلى مثله فيما يروونه عنه من نهج البلاغة وغيره ، وهذا واضحٌ. انتهى.
وقال (١) في (١ / ٦٩) في آخر الخطبة الشقشقيّة : حدّثني شيخي أبو الخير مصدّق بن شبيب الواسطي في سنة ثلاث وستمائة ، قال : قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشّاب المتوفّى (٥٦٨) هذه الخطبة ـ يعني الشقشقيّة ، فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع ـ يعني قول ابن عبّاس : فو الله ما أسفت. إلخ ـ قال لي : لو سمعت ابن عبّاس يقول هذا لقلت له : وهل بقي في نفس ابن عمّك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسّف أن لا يكون بلغ من كلامه ما أراد؟! والله ما رجع عن الأوّلين ولا عن الآخرين ولا بقي في نفسه أحدٌ لم يذكره إلاّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال مصدّق : وكان ابن الخشّاب صاحب دعابة وهزل ، قال : فقلت له : أتقول إنّها منحولةٌ؟! فقال : لا والله وإنّي لأعلم أنّها كلامه كما أعلم أنّك مصدّق. قال : فقلت له : إنّ كثيراً من الناس يقولون : إنّها من كلام الرضيّ ـ رحمهالله تعالى. فقال : أنّى للرضيّ ولغير الرضيّ هذا النَفَس وهذا الأسلوب؟! قد وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور ، وما يقع من هذا الكلام في خلّ ولا خمر.
ثم قال : والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صُنّفت قبل أن يُخلَق الرضيّ بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٠٥ خطبه ٣.