واكتفى بأنّ منيراً كان يغنّي في الأسواق ، وللمحاسبة مع الرجلين موقف نؤجِّله إلى يوم الحساب ، فهنالك يستوفي منير حقّه ، و (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١).
وهذه كلّها والنبذ المدوّنة من شعره في هذا الكتاب وفيها عدُّ الأئمّة الاثني عشر ، آيات باهرة لبلوغ العوني الغاية القصوى من الموالاة والتشيّع ، حتى إنّ القاصرين أو الحانقين عليه رموه بالغلوِّ لِما ذكره ابن شهرآشوب في المعالم (٢) من أنّه نظم أكثر المناقب ، والواقف على شعره جِدُّ عليم بأنّه كان يمشي على الوسط بين الإفراط والتفريط ، فلا يُثبِت لأهل البيت عليهمالسلام إلاّ ما حقَّ لهم من المراتب والمناقب أو ما هو دون مقامهم ، ولا ينظم إلاّ ما ورد في أحاديث أئمّة الدين من مناقبهم ، وأمّا التهمة بالغلوّ فكلمة جاهل أو معاند.
وعلى أيٍّ فتشيّع العوني كان مشهوراً في العصور المتقدِّمة ، على عهده وبعد وفاته ، حتى إنّه لمّا وقعت الفتنة بين الشيعة والسنّة في بغداد سنة (٤٤٣) واحتدم بينهما القتال ، فكانت ممّا جاءت به يد الجور من الفظائع أنّهم نبشوا قبور جماعة من الشيعة وطرحوا النيران في ترابهم ومنهم العوني المترجَم ، والناشئ عليّ بن وصيف الآنف ذكره (٣) ، والشاعر المعروف الجذوعي (٤).
كان العوني يتفنّن في الشعر ، ويأتي بأساليبه وفنونه وبحوره ، مقدرةً منه على تحوير القول وصياغة الجمل كيف ما شاء وأحبَّ.
قال ابن رشيق في العمدة (٥) (١ / ١٥٤) : ومن الشعر نوع غريب يسمّونه
__________________
(١) الفجر : ١٤.
(٢) معالم العلماء : ص ١٤٧.
(٣) أُنظر ترجمة الناشئ الصغير : ص ٣٩ من هذا الجزء.
(٤) ذكرها ابن الأثير في الكامل : ٩ / ١٩٩ [٦ / ١٥٨ حوادث سنة ٤٤٣ ه] ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : ٣ / ٢٧٠ [٥ / ١٩١ حوادث سنة ٤٤٣ ه]. (المؤلف)
(٥) العمدة : ١ / ١٧٨ باب ٢٣.