ومنهم من يقول : إنها إذا وقعت بمعنى المصدر فهي أيضا التي تقوم مقام (الذي) ولا أعلم أحدا من البصريين يجيز أن تكون (الذي) بغير صلة ولا يجيز أحد منهم أن تكون صلتها ليس فيها ذكرها إما مظهرا وإما محذوفا ولا أعرف لمن ادعى ذلك في (الذي) حجة قاطعة وقوله عز وجل : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : ٩٤] قد بينت ذلك : أن الأفعال كلها ما يتعدى منها وما لا يتعدى فإنه يتعدى إلى المصدر بغير حرف جر وتقول : (ما تضرب أخويك عاقلين) تجعل (ما) وتضرب في تأويل المصدر كأنك قلت : (ضربك أخويك إذا كانا عاقلين وإذ كانا عاقلين) ولا يجوز أن تقدم (عاقلين) فتقول : (ما تضرب عاقلين أخويك) ولا يجوز أيضا : ما عاقلين تضرب أخويك وإنما استحال ذلك من قبل أن صلة (ما) لا يجوز أن تفصل بين بعضها وبعض ولا بين (ما) وبينها بشيء ليس من الصلة.
وتقول : (الذي تضرب أخوينا) (قبيحين) تريد : (إذا كانا قبيحين) ، فإن قلت : قبيح رفعت فقلت : (الذي تضرب أخوينا قبيح).
واعلم أن هذه الأسماء المبهمة (١) التي توضحها صلاتها لا يحسن أن توصف بعد تمامها بصلاتها لأنهم إذا أرادوا ذلك أدخلوا النعت في الصلة إلا (الذي) وحدها ؛ لأن (الذي) لها تصرف ليس هو لمن وما ألا ترى أنك تقول : (رأيت الرجل الذي في الدار) ولا تقول : رأيت الرجل من في الدار وأنت تريد الصفة وتقول : (رأيت الشيء الذي في الدار) ولا تقول : (رأيت
__________________
(١) إذا اعتمد الظرف والمجرور على ما ذكرت في باب اسم الفاعل وهو النفي والاستفهام والاسم المخبر عنه والاسم الموصوف والاسم الموصول عملا عمل فعل الاستقرار فرفعا الفاعل المضمر أو الظاهر تقول ما عندك مال وما في الدّار زيد والأصل ما استقر عندك مال وما استقرّ في الدار زيد فحذف الفعل وأنيب الظرف والمجرور عنه وصار العمل لهما عند المحققين وقيل إنما العمل للمحذوف واختاره ابن مالك ويجوز لك أن تجعلهما خبرا مقدما وما بعدهما مبتدأ مؤخرا والأول أولى لسلامته من مجاز التقديم والتأخير وهكذا العمل في بقية ما يعتمدان عليه نحو (أفي الله شكّ) وقولك زيد عندك أبوه وجاء الذي في الدار أخوه ومررت برجل فيه فضل.
فإن قلت ففي أي مسألة يعتمد الوصف على الموصول حتى يحال عليه الظرف والمجرور. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٥٢٦.