لأنهم قد نقصوا عن الآدميين فالحيوان الذي لا يعقل والموات متفقان في جمع التكسير وإنما خص من يعقل بجمع السلامة ؛ لأن له أسماء أعلاما يعرف بها وكان جمع السلامة يؤدي الاسم المعروف وبعده علامة الجمع فكان به أولى ولو أنك لا تخص الموات وما لا يعقل بالواو والنون وخصصت ما يعقل بالتكسير لكان السؤال واحدا وإنما قصدنا أن نفضله بمنزلة ليست لغيره وإنما قلت : هي الرجال ؛ لأن الرجال جماعة فكان هذا التأنيث تأنيث الجماعة وهو مشارك للموات في هذا الموضع إذا وافقه في جمع التكسير.
والتأنيث تأنيثان : تأنيث حقيقي فهو لازم وتأنيث غير حقيقي فهو غير لازم فللتأنيث اللازم مثل امرأة وما أشبه ذلك والتأنيث الذي هو غير لازم مثل دار وذراع فإنما هذا تأنيث لفظ فلهذا كان تذكير أفعال المؤنث في غير الآداميين أحسن منه في الآداميين قال محمد بن يزيد : ناظرت ثعلبا في هذا بحضرة محمد بن عبد الله فلم يفهمه فقلت له : أخبرني عن قولنا :دار أليس هو مؤنث اللفظ قال : نعم قلت : فإذا قلنا : منزل هل زال معنى الدار أفلا ترى التأنيث إنما هو اللفظ فلما زال اللفظ زال ذلك المعنى وكذلك قولنا : ساعد وذراع ورمح وقناة أفتراه في نفسه مؤنثا مذكرا في حال فقال له محمد بن عبد الله هذا بين جدا وليس كذلك ما كان تأنيثه لازما ألا ترى أنا لو سمينا امرأة بجعفر أو بزيد لصغرنا زبيدة فلما كان مؤنث الحقيقة لم يغير عن تأنيثه تعليقنا عليه أسماء مذكرة في اللفظ وإنما قلت : قالت النساء بمنزلة جاءت الإبل والكلاب وما أشبه ذلك وليس تأنيث النساء تأنيثا حقيقيا وإنما هو اسم للجماعة تقول : قال النساء إذا أردت الجمع وقالت النساء إذا أردت معنى الجماعة ؛ لأن قولك النساء وما أشبهه إنما هو اسم حملته للجمع وكذلك قوله عز وجل : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) [الحجرات : ١٤] إنما أنث ؛ لأنه أراد الجماعة وتقول : في أسماء السور هذه هود إذا أردت سورة هود ، وإن جعلت هودا اسم السورة لم تصرفه لأنها بمنزلة امرأة سميتها بعمر وكذا حكم نوح ونون ، وإذا جعلت اقتربت اسما قطعت الألف نحو : اصبع ، وإن سميت بحاميم لم ينصرف ؛ لأنه أعجمي نحو : هابيل وإنما جعلته أعجميا ؛ لأنه ليس من أسماء العرب وكذلك : طس وحسن ، وإن أردت الحكاية تركته وقفا وقد قرأ بعضهم : (يس والقرآن) و (ق والقرآن) جعله أعجميا