__________________
قوله : أساءلت رسم الدار الخ ، المساءلة : مفاعلة تكون من اثنين ، وهذا اتساع على عادتهم. والسكن : جمع ساكن ، مثل تاجر وتجر. وتقديره أساءلت رسم الدار عن السكن ، أم عن عهده بالوائل ، أم لم تسائل ، إذا جعلت عن السكن متعلقة بالفعل الأول. خاطب نفسه على طريق التحزن والتوجع ، فقال : أباحثت رسم الدار فما وقفت عليها عن أخبار سكانها ، كيف انتقلوا ، وإلى اين صاروا ، أو عن مدة عهده بهم ، ومذ كم ارتحلوا ، ومتى ساروا ، أو لا.
والسؤال عن السكن أنفسهم غير السؤال عن مدة العهد بهم ، فلهذا فرق. والأوائل هم السكن ، ولكن فخم شأنهم بأن أعاد اسمهم الظاهر ، ولم يقل عن عهده بهم ، ودعته القافية إليه أيضا. وحسن ذلك ، لما لم يهجنه التكرير ، اختلافهما.
ويجوز أن يريد بالسكن الوحش التي استبدلتها من قطانها قبل ، وتلك الحالة من الدار ، مما يزيد في جزع الواقف عليها ، ويستمد السؤال على جهة التلهف لها ، كما قال : الطويل
يعزّ عليّ أن يرى عوض الدّمى |
|
بحافاته هام وبوم وهجرس |
وقوله : لمن طلل الخ ، هذا وجه آخر من التحزّن ، كأنه استنكر أن تكون دارهم بالحالة التي رآها ، فجعل سؤاله سؤال من لا يثبتها ، تعظيما للأمر. والمنتصي : ملتقى الواديين حيث يناصي أحدهما صاحبه.
وقال الباهلي : المنتصي : موضع. وروى أبو عمرو : المنتضي بالضاد معجمة ، وقال : هو موضع. وقوله : غير حائل ، قال الباهلي : أراد عفا بعد عهد من قطار ووابل ، ولم يمر حول. والمشهور أن يقال : أحال الشيء. إذا أى عليه حول ، إلا أن بعضهم حكى أن حال لغة فيه.
ويجوز أن يكون حائل بمعنى متغير ، يقال : حال الشيء ، واحتال إذا تغير ، كأنه كان دارس البعض باقي البعض ، فلم يعد ذلك تغيرا كاملا ، ومتى كانت الرسوم بهذه الصفة ذكرت العهود أشد ، وجددت الغموم أجد.
ولذلك تمنى بعض الشعراء شمول الدروس عليها ليستريح منها ، فقال : الوافر
ألا ليت المنازل قد بلينا |
|
فلا يرمين عن شزن حزينا |
وقوله : بعد عهد يجوز أن يريج بعد إلمام ، ويجوز أن يكون مصدر عهدت الروضة ، إذا أتى عليها العهد ، وهو كل مطر بعد مطر ؛ وجمعه عهاد.
وإنما قال من قطار ووابل ، لأن الوابل المطر المروي ، والقطار : جمع قطر ، وهو لما دونه.
وقوله : عفا بعد عهد الحي الخ ، ابتدأ يبين كيف عفا ، والمعنى : عفا الطلل والمكان بعد أن كان للحي فيه عهد.