فلك فيه الخفض والرفع والنصب فالخفض : على ما خبرتك به والنصب فيه وجهان :
فوجه أن يكون منصوبا (بألقى) ومعطوفا على ما عمل فيه (ألقى) ويكون ألقاها توكيدا.
والوجه الثاني : أن تنصبه بفعل مضمر يفسره (ألقاها) والرفع على أن يستأنف بعدها والمعنى ألقى ما في رحله حتى نعله هذه حالها ، وإذا قلت : العجب حتى زيد يشتمني فالمعنى :العجب لسبّ الناس إياي حتى زيد يشتمني.
قال الفرزدق :
__________________
أما النصب فمن وجهين : أحدهما نصبه بإضمار فعل يفسر ألقاها كأنه قال : حتى ألقى نعله ألقاها ، كما يقال في الواو وغيرها من حروف العطف.
ثانيهما : أن يكون نصبه بالعطف على الصحيفة ، وحتى بمعنى الواو ، كأنه قال : ألقى الصحيفة حتى نعله ، يريد ونعله ، كما تقول : أكلت السمكة حتى رأسها بنصب رأسها ، أي : ورأسها ، فعلى هذا الهاء عائدة على النعل أو الصحيفة ، وألقاها تكرير وتوكيد.
فإن قلت : شرط المعطوف بحتى أن يكون إما بعضا من جمع ، كقدم الحجاج حتى المشاة. أو جزءا من كل ، نحو : أكلت السمكة حتى رأسها ، أو كجزء ، نحو : أعجبتني الجارية حتى حديثها ؛ فكيف جاز عطف نعله ، مع أنه ليس واحدا مما ذكر؟ قلت : جاز ، لأن ألقى الصحيفة والزاد ، في معنى ألقى ما يثقله ؛ فالنعل بعض ما يثقل.
وأما الرفع فعلى الابتداء ، وجملة ألقاها هو الخبر. فحتى ، على هذا. وعلى الوجه الأول. من وجهي النصب ، حرف ابتداء ، والجملة بعدها مستأنفة.
وزعم ابن خلف : أن حتى هنا عاطفة والجملة بعدها معطوفة على الجملة المتقدمة ، وهذا شيء قاله ابن السيد ، نقله عنه ابن هشام في المغني ، ورده بقوله : لأن حتى لا تعطف الجمل ، وذلك لأن شرط معطوفها أن يكون جزءا مما قبلها أو كجزء ؛ وهذا لا يتأتى إلا في المفردات. وقد نازعه الدماميني في هذا التعليل.
وأنشد سيبويه هذا البيت على أن حتى فيه حرف جر ، وأن مجرورها غاية لما قبله ، كأنه قال : ألقى الصحيفة والزاد وما معه من المتاع حتى انتهى الإلقاء إلى النعل. وعليه فجملة ألقاها للتأكيد ، والضمير يجوز فيه أيضا أن يعود على النعل وعلى الصحيفة. فقوله : حتى نعله ألقاها روي على ثلاثة أوجه. وهذا البيت لأبي مروان النحوي. انظر خزانة الأدب ١ / ٣١٨.