واعلم أن الفعل العامل فيها أكثر ما يستعمله العرب محذوفا ؛ لأنه جواب وقد علم فحذف وربما جيء به توكيدا وزيادة في البيان فتقول : ربّ رجل عالم قد أتيت فتجعل هذا هو الفعل الذي تعلقت به (ربّ) حتى يكون في تقديره : برجل عالم مررت وكذلك إذا قال : ربّ رجل جاءني فأكرمته وأكرمته فها هنا فعل أيضا محذوف فكأنه قال له قائل : ما جاءك رجل فأكرمته وأكرمته فقلت : ربّ رجل جاءني فأكرمته وأكرمته أي : قد كنت فعلت ذاك فيكون جاءني وما بعده صفة رجل والصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد والكلام بعد ما تم ، فإن لم تضمر : قد فعلت وما أشبه ذلك وإلا لم يجز فإذا قال : ما أحسنت إليّ.
قلت : ربّ إحسان قد تقدم إليك مني فكأنك قلت : قد فعلت من إحسان إليك قد تقدم.
فإن قال قائل : لم لزم الصفة قيل : لأنه أبلغ في باب التقليل ؛ لأن رجلا قائما أقل من رجل وحده فخصت بذلك والله أعلم.
وكذلك لو قلت : رب رجل جاهل ضربت إن جعلت : ضربت هو العامل في رب ؛ ، فإن جعلته صفة أضمرت فعلا نحو ما ذكرنا ، فصار معنى الكلام : ربّ رجل جاهل ضربت قد فعلت ذاك.
واعلم أنّه لا بد للنكرة التي تعمل فيها (ربّ) من صفة إما اسم وإما فعل لا يجوز أن تقول : ربّ رجل وتسكت حتى تقول : ربّ رجل صالح أو تقول : رجل يفهم ذاك ورب حرف قد خولف به أخواته واضطرب النحويون في الكلام فيه.
وهذا الذي خبرتك به ما خلص لي بعد مباحثة أبي العباس رحمه الله وأصحابنا المنقبين الفهماء ، وسأخبرك ما قال سيبويه والكوفيون فيه قال سيبويه : إذا قلت : رب رجل يقول ذاك فقد أضفت القول إلى الرجل برب وكذلك يقول من تابعه على هذا القول إذا قال : رب رجل ظريف قد أضافت رب الظريف إلى رجل وهذا لا معنى له ؛ لأن إتصال الصفة بالموصوف يغني عن الإضافة.
وأما الكوفيون ومن ذهب مذهبهم فيقولون : رب وضعت على التقليل نحو : ما أقل من يقول ذاك وكم وضعت على التكثير نحو قولك : ما أكثر من يقول ذاك وإنما خفضوا (لكم) ؛