واعلم أن في الكلام مصادر تقع موقع الحال فتغني عنها وانتصابها انتصاب المصادر نحو قولك : أتاني زيد مشيا فقولك : مشيا قد أغنى عن ماش ويمشي إلا أن التقدير : أتاني يمشي مشيا فمن ذلك : قتلته صبرا ، ولقيته فجأة ومفاجأة وكفاحا ومكافحة ولقيته عيانا وكلمته مشافهة وأتيته ركضا وعدوا وأخذت عنه سماعا وسمعا.
قال سيبويه : وليس كل مصدر يوضع هذا الموضع ألا ترى أنه لا يحسن : أتانا سرعة ولا رجلة.
قال أبو العباس : ليس يمتنع من هذا الباب شيء من المصادر أن يقع موقع الحال إذا كانت قصته هذه القصة وخالف سيبويه وقد جاء بعض هذه المصادر يغني عن ذكر الحال بالألف واللام نحو : أرسلها العراك والعراك لا يجوز أن يكون حالا ولا ينتصب انتصاب الحال وإنما انتصب عندي على تأويل : أرسلها تعترك العراك فـ (تعترك) حال والمصدر الذي عملت فيه الحال هو العراك ودل على (تعترك) فأغنى عنه وكذلك : طلبته جهدك وطاقتك كأنك قلت : طلبته تجتهد جهدك وتطيق طاقتك أي : تستفرغهما في ذلك.
__________________
(في ـ القاموس : بفتح ضاد" قضهم" أي على الحال ـ وبضمها ـ أي جميعهم على التوكيد ، والقضّ : الحصى الصّغار ، والقضيض : الحصى الكبار). أي جميعا ، ومنه أيضا قولهم" فعلته جهدي" و" أسرعت طاقتي" ولا تستعمل إلّا مضافا وهو معرفة ، وفي موضع الحال ، وتأويله : مجتهدا ومطيقا.
ومنه قول لبيد :
فأرسلها العراك ولم يذدها |
|
ولم يشفق على نغص الدّخال |
(الإرسال : التخلية والإطلاق ، وفاعل أرسلها : حمار الوحش ، وضمير المؤنث لأتنه ، والذّود : الطّرد ، أشفق عليه : إذا رحمه ، والنّغص ، مصدر يقال : نغص ينغص : إذا لم يتم مراده ، وكذا البعير إذا لم يتم شربه ، والدّخال : أن يداخل يعير قد شرب مرّة في الإبل التي لم تشرب حتى يشرب معها ، يقول : أورد العير ـ وهو حمار الوحش ـ أتنه الماء دفعة واحدة مزدحمة ولم يشفق على بعضها أن يتنغّص عند الشّرب ، ولم يذدها ؛ لأنه يخاف الصّياد بخلاف الرّعاء الذين يديرون أمر الإبل ، فإنهم إذا أوردوا الإبل جعلوها قطعا حتى تروى)
ومثل فأرسلها العراك ، قولك : " مررت بهم الجمّاء الغفير" أي على الحال على نية طرح الألف واللام وهذا كقولك : " مررت بهم قاطبة" و" مررت بهم طرّا". انظر معجم القواعد العربية ٧ / ٤.