الخامس : قولهم : إنّه لا تكون الإدراكات والحواسّ إلاّ في الرّءوس على بنية مخصوصة ، فأكذبهم الله تعالى بأن سمعت ورأت بإدراكات خلقت في بعض أجسامها دون الرّءوس ، فحييت وسمعت حين دعيت ورأت ، وجاءت طائرة بلا رءوس ولا عيون ولا آذان. وهذا هو مذهب أهل الحقّ أنه ليس للإدراكات شرط في المحلّ سوى الحياة.
وأما قوله تعالى : (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة : ٢ / ٢٦٠] ؛ فقد يكون أمرا له عليهالسلام بأن يبقى على معلوماته في إثبات عزّة الله تعالى وحكمته ، لا أن يستجدّ علما بما لم يكن يعلم ، ويحتمل أن يأمره بأن يستجدّ علوما أخر بأنواع من الحكمة والعزّة لم يكن يعلمها قبل.
وأما ذكره العزّة في هذا المقام فهي الغلب والقهر ، تقول العرب (١) (من عزّ بزّ) أي : من غلب سلب. فلما كان في جمع الموتى وإحيائهم دفعة واحدة غاية الغلب والقهر والحكم والعلم والإتقان والإحكام تمدّح البارئ تعالى بصفاته العلى وعزّة قهره ، فأمره أن يتزيّد علما بصفات الجلال والجمال.
وقد يكون الأمر بالعلم فيما رأى من تفاصيل عجائب الكيفيّات. فلمّا أطلعه على ذلك غاية الاطلاع ، وعلّمه ما لم يكن يعلم قال له تعالى : (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي : وابق عالما بما زدتك من العلوم الحسيّة التي لا يتأتّى الجهل بها ولا الشكّ فيها في مستقرّ العادة ، ولا يتغافل عنها.
فهذه ـ رحمك الله ـ قصص إبراهيم عليهالسلام في الثلاث الآيات والتّبرئة له (٢).
__________________
(١) أي في أمثال العرب ، والبزّ : السّلب. والقول مشهور في كتب الأمثال.
(٢) في النص هنا (على أوله صلىاللهعليهوسلم).