وذهب بعض القدماء إلى أنه يجب النصب على الاستثناء ، ولا يجوز الإبدال ، إذا صلح الكلام للإيجاب بحذف حرف النفي ، نحو : ما جاءني القوم إلا زيدا ، فإنه يجوز : جاءني القوم إلا زيدا ، فكما لا يجوز الإبدال في الموجب ، لا يجيزه (١) في غير الموجب قياسا عليه ؛ وهو باطل بقوله تعالى : (... وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ)(٢) بالإبدال ، وبقوله تعالى : (مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ)(٣) ، فإن الفعل يصلح للإيجاب مع أن البدل هو المختار (٤) ، وأمّا إذا لم يصلح الفعل للإيجاب ، نحو : ما جاءني أحد إلا زيد ، وما جاءني رجل إلا عمرو ، فإنه يجيز البدل والنصب ، إذ لا يجوز : جاءني أحد إلا زيدا حتى يقاس عليه غير الموجب في وجوب النصب ؛
ومن جعل للفراء (٥) ، ولهذا القائل قياس غير الموجب على الموجب ، ومن أين لهما ذلك؟
هذا ، ولمّا تقرّر أن الاتباع هو الوجه مع الشرائط المذكورة ، وكان أكثر القراء على النصب في قوله تعالى : (وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ)(٦) ، تكلّف (٧) جار الله (٨) ، لئلا تكون قراءة الأكثر محمولة على وجه غير مختار ، فقال : «امرأتك» بالرفع ، بدل من «أحد» وبالنصب مستثنى من قوله تعالى : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ)(٩) لا من قوله «وَلا يَلْتَفِتْ
__________________
(١) أي هذا القائل الذي عبّر عنه ببعض القدماء
(٢) الآية ٦ من سورة النور
(٣) الآية ٦٦ سورة النساء
(٤) علته أن القراء السبعة قرأوا به ،
(٥) جمع في رده على هذا بين الفراء وهذا القائل لاشتراك الرأيين في قياس غير الموجب على الموجب ؛
(٦) الآية ٨١ سورة هود ،
(٧) جواب قوله : ولمّا تقرر
(٨) أي الزمخشري ، ورأيه هذا في متن المفصل ، وانظر شرح ابن يعيش عليه ج ٢ ص ٨١ وما بعدها ، وفيه إجابة مفصلة وشرح واف لهذه المسألة ؛
(٩) من الآية السابقة في سورة هود ،