وجوّز أهل المدينة مجيء الفصل بعد النكرة في نحو : ما أظن أحدا هو خيرا منك ، قال الخليل : (١) والله إنه لعظيم في المعرفة تصييرهم إيّاه لقوا ؛ يعني (٢) : إذا كان مستبعدا في المعرفة مع أنه قياسه ، كما مرّ ، فما ظنك بالنكرة ؛
وأجاز الجزولي وقوعه بين أفعلي تفضيل ، نحو : خير من زيد هو أفضل من عمرو ، ولست أعرف له شاهدا ؛
وكذا (٣) جوّز بعضهم وقوعه قبل المضاف إلى المعرفة ، كقوله تعالى : (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) ، (٤) وجوّز بعضهم وقوعه قبل العلم نحو : إني أنا زيد ؛
والحق ، أن كل هذا ادعاء ، ولم تثبت صحته ببيّنة من قرآن أو كلام موثوق به ، ونحو قوله تعالى (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) ، ليس بنص ، إذ يحتمل أن يكون «أنا» مبتدأ ما بعده خبره ، والجملة خبر «انّ» ؛
بلى ، لو ثبت في كلام يصح الاستدلال به نحو : ما أظن أحدا هو خيرا منك ، وكان خير من زيد هو أفضل من عمرو ، ورأيت زيدا هو مثلك أو غيرك ، بنصب ما بعد صيغة الضمير المذكور في ذلك ، لحكمنا بكونه فصلا ، ولا يثبت ذلك بمجرد القياس ، وإلغاء الضمير ليس بأمر هيّن ، فينبغي أن يقتصر على موضع السماع ، ولم يثبت إلا بين معرفتين ثانيتهما ذات اللام ، أو بين معرفة ونكرة هي أفعل التفضيل ، كما ذكر سيبويه (٥) ؛
وأجاز المازني وقوعه قبل المضارع لمشابهته للاسم ، وامتناع دخول اللام عليه ، فشابه الاسم المعرفة ، قال تعالى : (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ)(٦) ، قال : ولا يجوز : زيد هو قال ،
__________________
(١) هذا الذي نسبه الشارح للخليل بن أحمد ، نقله عنه سيبويه في ج ١ ص ٣٩٧ والرضي نقله بشيء من التصرف ؛
(٢) أي الخليل ، وهو تفسير لقول الخليل المتقدم ؛
(٣) وقع في بعض النسخ التي أشير إليها بهامش المطبوعة ، اختلاف في هذا الموضع ، وبعد النظر فيه انتهيت إلى إثبات ما هنا ، وأرجو أن يكون هو الصواب إن شاء الله
(٤) من الآية ٦٩ سورة يوسف ؛
(٥) جاء ذلك في الجزء الأول ص ٣٩٧ من الكتاب لسيبويه ؛
(٦) الآية ١٠ سورة فاطر