فالغرض من الفصل في الأصل : فصل الخبر عن النعت ، فكان القياس ألّا يجيء إلّا بعد مبتدأ بلا ناسخ ، أو منصوب بفعل قلب ، بشرط كونه معرفة غير ضمير وكون خبره ذا لام تعريف ، صالحا لوصف المبتدأ به ؛ وذلك أنه إذا دخل على المبتدأ ناسخ يتميز به الخبر عن النعت بسبب تخالف اعرابيهما ، نحو : كان أو إنّ أو ما الحجازية ، لم يحتج إلى الفصل ؛ وإذا كان المبتدأ نكرة ، لم يؤت بالفصل ، لأنه يفيد التأكيد ولا تؤكد النكرة ، إلا بما سبق استثناؤه في باب التأكيد (١) ؛
وإنما قلنا ان الفصل يفيد التأكيد ، لأن معنى : زيد هو القائم ، زيد نفسه القائم ، لكنه ليس تأكيدا (٢) ، لأنه يجيء بعد الظاهر والضمير ، والضمير لا يؤكد به الظاهر ، فلا يقال : مررت بزيد هو نفسه ، وأيضا ، يدخل عليه اللام نحو : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(٣) ، ولا يقال : إن زيدا لنفسه قائم ، وقد يجمع بين النفي والتأكيد بالضمير لاختلاف لفظيهما فيقال : ضربته هو نفسه ، وضربته إياه نفسه ، فيكون مثل قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)(٤) ،
ولا يقال ، عند سيبويه : ضربته هو هو ، ولا : ضربته هو إياه لاجتماع ضميرين بمعنى واحد ، وأجازه الخليل مع اختلاف الضميرين لفظا ، نحو : ضربته هو إياه ، ووافق سيبويه في منع المتفقين ؛
ولم يجوّز سيبويه ، بناء على ذلك : ظننته هو إيّاه القائم ، وإن جعلت أولهما فصلا والثاني تأكيدا ، لأن الفصل كالتأكيد من حيث المعنى كما مرّ ، قال : فإن فصلت بين الفصل والتأكيد ، نحو : أظنه هو القائم إيّاه ، جاز لعدم الاجتماع ؛
وإنما قلنا : كان حق المبتدأ الذي يليه الفصل ألّا يكون ضميرا ، لأنه إن كان ضميرا ،
__________________
(١) انظره في باب التأكيد من هذا الجزء ،
(٢) أي ليس تأكيدا بالمعنى الاصطلاحي عند النحاة ،
(٣) من الآية ٨٧ في سورة هود
(٤) الآية ٣٠ من سورة الحجر ، وهي أيضا ، الآية ٧٣ من سورة ص ؛