بدأبك (١) ، لما كان بمعنى : تمتعك ، فكنى ولم يصرّح ؛
وقد تقوم مع آلة التشبيه قرينة تدل على الحدث المعيّن ، فيتعلق بها جارّان كما تعلّق الجارّ في بيت امرئ القيس بدأبك ، لمّا كنى به عن التمتع ؛ وذلك نحو قوله صلّى الله عليه وسلم : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» ، أي قريب مني قرب هارون من موسى ؛ قال :
١٩١ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره |
|
منّي بمنزلة المحبّ المكرم (٢) |
وتقول : هو مني بمنزلة الثريا من المتناول ، أي بعيد مني بعدها منه ؛
إذا تقرّر هذا قلنا ، لمّا لم يتميز كل واحد من الحدثين من الآخر في أفعل التفضيل وآلة التشبيه ، وبابي فاعل وتفاعل ، وغيرهما ممّا يدل على حدثين حتى يجعل منصوب كل واحد بجنبه : ألزم أن يكون منصوب (٣) كل حدث بجنب صاحبه المصرح به ، فقيل : يفضل زيد راكبا على عمرو راجلا ، وتشاتم زيد قائما ، وعمرو قاعدا ، ورامى زيد في الدار عمرا في السوق ، وكذا في أفعل التفضيل ، وآلة التمثيل ، نحو : زيد مني كعمرو منك ، وبكر للضيف أكرم منه للجار ، وعمرو قائما ، أحسن منه قاعدا ، وبكر قاعدا مثله قائما ، وزيد يوم الجمعة أحسن ، أو مثله يوم السبت ؛ جعلت متعلّق حدث المفضّل والممثل بجنبهما ، ومتعلق حدث المفضل عليه والممثل به بجنبهما ؛ دفعا للالتباس ، وحرصا على البيان ، فلهذا تقدم معمولاهما عليهما مع ضعفهما ؛ وأمّا الضمير المستكن في أفعل ، وفي آلة التشبيه ، فانه ، وإن كان مفضّلا ؛ وممثّلا ، لكنه ، لمّا لم يظهر ، كالعدم ؛
ومع هذا كله ، فلا أرى بأسا بأن يقال ههنا ، وان لم يسمع ، زيد أحسن قائما منه
__________________
(١) هذا متعلق بقوله : ألا ترى إلى تعلق الجار .. الخ
(٢) أحد الأبيات في معلقة عنترة العبسيّ ، التي أولها :
هل غادر الشعراء من متردّم |
|
أم هل عرفت الدار بعد توهم |
والمحبّ بفتح الحاء اسم مفعول من أحبّ ؛
(٣) أي في المثال موضع البحث والمراد بالمنصوب في كلامه : المعمول ، ليشمل الظرف والجار والمجرور ، كما هو واضح من التمثيل ، وسيأتي في كلامه ما يرشد إلى ذلك ؛