قوله : «وإذا زيدت إن مع ما» ، هذه شروط عملها عمل ليس : أحدها : ألّا يليها «إن» كقوله :
٢٦١ ـ وما إن طبّنا جبن ولكن |
|
منايانا ودولة آخرينا (١) |
اعلم أن الأصل في «ما» : ألّا تعمل ، كما في لغة بني تميم ، إذ قياس العوامل أن تختصّ بالقبيل الذي تعمل فيه ، من الاسم ، أو الفعل ، لتكون متمكنة بثبوتها في مركزها ، و «ما» مشتركة بين الاسم والفعل ،
وأمّا الحجازيون فإنهم أعملوها مع عدم الاختصاص ، لقوة مشابهتها لليس ، لأن معناهما في الحقيقة سواء ، وذلك لأن معنى «ليس» في الأصل : ما كان ، ثم تجرّدت عن الدلالة على الزمان ، فبقيت مفيدة لنفي الكون ، ومعنى «ما» مجرد النفي ، ومعلوم أن نفي الشيء بمعنى نفي كونه ، سواء ، من حيث الحقيقة ، كما ذكرنا في باب الاستثناء ؛ (٢)
وعند النحاة أن «ما» و «ليس» ، كلاهما لنفي الحال ؛ والحق ، أنهما لمطلق النفي ، كما يجيئ في الأفعال الناقصة ؛
فلمّا كان (٣) قياس إعمالها ضعيفا ، انعزلت لأدنى عارض ؛ فمن ذلك (٤) مجيئ «إن» بعدها ، وإنما عزلتها ، لأنها وإن كانت زائدة ، لكنها تشابه «إن» النافية لفظا ، فكأنّ «ما» النافية دخلت على نفي ، والنفي إذا دخل على النفي أفاد الإيجاب ، فصارت «إن» كالّا ، الناقضة لنفي «ما» في نحو : ما زيد إلا منطلق ، ويجوز أن يقال : إنما انعزلت
__________________
(١) من أبيات لعزوة بن مسيك المرادي يقول فيها :
فان نغلب فغلّابون قدما |
|
وإن نغلب فغير مغلّبينا |
والطب بكسر الطاء : العلة والداء ، يقول : لم يكن سبب انهزامنا علة الجبن والخور ولكن القدر جرى بمنايانا وانتصار غيرنا ؛
(٢) انظر في هذا الجزء ص ١١٠
(٣) عودة بالحديث إلى «ما» وعملها وأنه ضعيف ونتيجة ذلك ؛
(٤) أي من الأمور التي تعرض فتعزلها عن العمل ،