وقيل : إنما لم يبن مع الفصل ، لأنهما لما مزجا ، تعدّى البناء من «لا» إلى المنفى بسبب التركيب ، فإذا انتفى التركيب ، انتفى تعدّي البناء إليه ،
ثم نقول : ويجوز ، لما ذكرنا من ضعف عملها ، أن تلغيها مع كون المنفي نكرة غير مفصولة ؛
ويجب في المواضع الثلاثة التي ألغيت فيها «لا» ، إمّا وجوبا ، كما في المعرفة والمفصول ، وإمّا جوازا ، كما في النكرة المتصلة ، تكرير (١) «لا» ، ولا يجب ذلك إذا أعملتها ، أو بنيت اسمها ، وذلك لأن المقصود قيام القرينة على كونها لنفي الجنس ، وعملها عمل «إنّ» أو بناء اسمها كاف في هذا الغرض ، إذ لا يكونان إلا مع «لا» التبرئة ، أما إذا ألغيت ، فإنه جعل تكريرها منبّها على كونها لنفي الجنس في النكرات ، لأن نفي الجنس هو تكرير النفي في الحقيقة ؛ وأمّا في المعارف ، فالتكرير جبران لما فاتها من نفي الجنس الذي لا يمكن أن يحصل في المعرفة ؛
وأجاز أبو العباس (٢) ، وابن كيسان (٣) ، عدم تكرير «لا» في المواضع الثلاثة ، أمّا مع المعرفة فنحو : لا زيد في الدار ، وقولهم : لا نولك أن تفعل كذا ، وأمّا مع المفصول فنحو : لا فيها رجل ، قال :
٢٤٦ ـ بكت جزعا واسترجعت ثم آذنت |
|
كتائبها أن لا إلينا رجوعها (٤) |
وأمّا مع المنكر المتصل ، فنحو : لا رجل في الدار ، قال :
٢٤٧ ـ وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا |
|
حياتك لا نفع وموتك فاجع (٥) |
__________________
(١) فاعل قوله : ويجب في المواضع الثلاثة ،
(٢) أي المبرد ، وهذه كنيته وتقدم ذكره ،
(٣) وكذلك ابن كيان تقدم ذكره في هذا الجزء والذي قبله ؛
(٤) قال البغدادي إنه من أبيات سيبويه التي لم يعرف لها قائل ، والبيت في سيبويه ج ١ ص ٣٥٥ ؛
(٥) نقل البغدادي عن شراح شواهد سيبويه ، أن هذا البيت لرجل من بني سلول ، لم يذكروا اسمه ثم نقل عن الحصري وغيره نسبته إلى الضحاك بن هشام ، ثم قال : وزاد الحصري بعده بيتين ، أحدهما قوله :
وفيك خصال صالحات يشينها |
|
لديك جفاء عنده الود ضائع |