ليس فيه منهم ، ولا تزال الأرض باكية حتى يبدل الله مثله. يا أسامة بن زيد اتّخذهم لنفسك أصدقاء وأصحابا عسى أن تنجو بهم ، وإياك أن تدع ما هم عليه فتزل قدمك فتهوي في النار. يا أسامة بن زيد زهدوا في الحلال فحرّموه على أنفسهم وقد أحلّ لهم ، طلبا للفضل فتركوه لينالوا به الزّلفى والكرامات عند الله عزوجل ، ولم يتكابّوا على الدنيا تكابّ الكلاب على الجيف ، شغل الناس بالدنيا ، شغلوا هم أنفسهم بطاعة الله عزوجل ولم يكن ذلك إلّا بتوفيق من الله عزوجل لهم ، أكلوا حلو الطعام وحامضه ، شعثا غبرا هزلا ، يراهم الناس فيظنون أن بهم داء ، ويقال : قد خولطوا ، وما بالقوم داء ولا خولطوا ، ويقال : قد ذهبت عقولهم ، وما ذهبت عقولهم ، ولكنهم نظروا بقلوبهم إلى من أذهلهم عن الدّنيا وما فيها ، فهم عند أهل الدّنيا يمشون بلا عقول حين ذهبت عقول الناس في سكرتهم بحبّ الدّنيا ورفض الأرض (١) ، أولئك لهم البشرى والكرامة برفضهم لهواهم ، وإيثارهم حق الله عزوجل على حقوق من عاشروا» فقال أسامة : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : «اللهم اجعله منهم» ، أو قال : «أنت منهم» [٢١١٩].
أخبرنا أبو بكر الأنصاري ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا إبراهيم بن أحمد ، نا جعفر بن محمد بن المستفاض ، نا محمد بن عبد الأعلى ، نا خالد بن الحارث ، نا هشام عن يحيى بن أبي كثير ، عن عمر بن الحكم بن ثوبان أن مولى قدامة بن مظعون حدّثه أن مولى أسامة بن زيد قال : كان أسامة بن زيد يركب إلى ماله بوادي القرى فيصوم الاثنين والخميس ، فقلت له تصوم في السفر وقد كبرت ورققت (٢) قال : فقال رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصوم الاثنين والخميس فقلت : لأيّ شيء تصوم الاثنين والخميس فقال : «إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس» [٢١٢٠].
قال : ونا جعفر ، نا إبراهيم بن عبد الله ، نا إسماعيل بن عليّة (٣) ، نا هشام الدّستوائي (٤) ، نا يحيى بن أبي كثير ، حدّثني عمر بن الحكم بن ثوبان أن مولى
__________________
(١) في مختصر ابن منظور ٤ / ٢٥٥ ورفض الآخرة.
(٢) بالأصل : «ورقت» والصواب ما أثبت عن م.
(٣) ضبطت بضم العين وفتح اللام وتشديد اللام المفتوحة (عن المغني) وهي أمه ، واسمه إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي ، أبو بشر البصري.
(٤) ترجمته في سير الأعلام ٧ / ١٤٩ (٥١). والدستوائي بفتح الدال وسكون السين المهملتين وضم التاء وفتح الواو ، هذه النسبة إلى دستوا ، بلدة من بلاد الأهواز (الأنساب).