لهم : أنتم قرناء الشّياطين ورءوس الضّلال ، تكذّبون بالكتاب وتحرّمون زينة الله والطّيّبات من الرزق التي أخرج لعباده. يا أسامة بن زيد : تأوّلوا الكتاب على غير تأويله ، وتركوا الدين ، فهم على غير دين ، واستبدلوا بما تأوّلوا أولياء الله. يا أسامة بن زيد : إن أقرب الناس من الله يوم القيامة من طال حزنه وظمأه وسهره وفكرته ، أولئك هم الأخيار الأبرار ، ألا أنبئك بصفتهم؟» قال : بلى يا رسول الله قال : «هم الذين إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، وإن أولم الناس لم يدعوا ، وإن مرضوا لم يعادوا ، وإن ماتوا لم يحضروا ، إذا نظر الناس إليهم قالوا : مجانين أو موسوسين ، وما بالقوم جنون ولا وسواس ، ولكنهم شغلوا أنفسهم بحب الله عزوجل وطلب مرضاته (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا : سَلاماً) (١) (يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) (٢) (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٣) فيقتلون على ذلك ، يا أسامة بن زيد أكل الناس من كلّ نوع ، أكلوا من حشيش الأرض وثمارها ، وتوسّد الناس الوسائد والنمارق ، وتوسدوا اللّبن والحجارة ، نعم الناس بشهواتهم ولذّاتهم ، ونعموا بجوعهم والعطش ، افترش الناس ليّن الفرش ، افترشوا الجنوب والركب ، ضحك النّاس من الفرح ، بكوا هم من الأحزان ، تطيّب الناس بالطّيب ، تطيبوا بالماء والتراب ، بنوا ـ الناس ـ المنازل والقصور ، اتخذوا الخراب والفلوات وظلال الشجر منازل ومساجد ومقيلا ، اتّخذ الناس الأندية والمجالس متحدّثا تلذّذا وتلهّيا وبطرا ، واتّخذوا المحاريب وحلق الذّكر والخلوة تخشّعا وخوفا وتفكيرا وتذكيرا وتشريفا. أنس الناس بالحديث والاجتماع ، أنسوا بذكر الله ومناجاته والواحدة والفرار بدينهم من الناس ، وهب الناس أنفسهم للدنيا ، وهبوا هم أنفسا هو وهبها لهم فباعوا قليلا زائلا واشتروا كثيرا دائما. يا أسامة بن زيد : لا يجمع الله عليهم الشّدّة في الدّنيا والآخرة ، بل لهم الجنّة ، أولئك أحبّاء الله ، يا ليت أني قد رأيتهم الأرض بهم رحيمة ، والجبار عنهم راض ، ضيّع الناس أفعال النبيين وأخلاقهم ، حفظوها هم وتمسّكوا بها. يا أسامة بن زيد : الراغب من رغب إلى مثل رغبتهم ، والمغترّ المغبون من لم يلق الله عزوجل بمثل رغبتهم وآدابهم ، والخاسر من خسر تقواهم وضيع أفعالهم. يا أسامة بن زيد : هم لكلّ أرض أمان ، تبكي الأرض إذا فقدتهم ، ويسخط الجبّار على بلد
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية : ٦٣.
(٢) سورة الفرقان ، الآية : ٦٤.
(٣) سورة التوبة ، الآية : ٧١.