الأصمعي : كم حملت معك من كتبك؟ قلت : تخفّفت فحملت ثمانية أحمال ، ستة (١) عشر صندوقا؟ قال : فعجب فقلت : كم معك يا أبا سعيد؟ قال : ما معي إلّا صندوق واحد قلت : ليس إلّا؟ قال : وتستقل صندوقا من حقّ! قال أبو خالد : وسمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول : رأيت في منامي كأن جريرا ، ناولني كبّة من شعر فأدخلتها في فمي ، فقال بعض المعبرين : هذا رجل يقول من الشعر ما شاء. قال : وجاء مروان بن أبي حفصة يوما إليّ فاستنشدني من شعري فأنشدته (٢) :
إذا كانت الأحرار أصلي ومنصبي |
|
ودافع ضيمي خازم (٣) وابن خازم |
عطست بأنف شامخ وتناولت |
|
يداي السماء (٤) قاعدا غير قائم |
قال : فجعل مروان يستحسن ذلك ويقول : لأبي : إنّك لا تدري ما يقول هذا الغلام.
قال : وأخبرني أحمد بن محمد الكاتب حدّثني جدي محمد بن عبيد الله بن قفرجل ، نا محمد بن يحيى ، نا محمد بن يزيد المبرّد ، نا حمّاد بن إسحاق بن إبراهيم ، حدّثني أبي قال : عوتب أبو عبيدة فيما كان يعطيني من العلم ، قال : وما ينفعه ما أعطيه ، إنما ألقيه في وعاء منخرق الأسفل ، كلما ألقيت في أعلاه شيئا خرج من أسفله ، فلقيت أبا عبيدة فقلت له : أنا عندك وعاء منخرق حتى قلت ما قلت؟ قال : وأنت لا ترضى أن يأخذ الناس الكلام الذي لا يضرك وتأخذ أنت العلم وتسكت ، ولا تجعل حجّة عليّ.
أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم وأبو الوحش سبيع بن المسلّم ، عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ـ ونقلته من خطه ـ أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي البغدادي ، نا محمد بن يحيى ، حدّثني عبد الله بن المعتزّ حدّثني أبي ، عن جده ، أن الرشيد قال لإبراهيم الموصلي : كيف تصوغ الألحان؟ فقال : يا أمير المؤمنين أخرج الهمّ من قلبي وأمثل الطرب بين عيني فتسرع إليّ مسالك الألحان ، فأسلكها بدليل من الإيقاع فلا أرجع
__________________
(١) في الأغاني : ثمانية عشر.
(٢) البيتان في تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٠ وبغية الطلب ٣ / ١٤١٦ والأغاني ٥ / ٢٧٨.
(٣) الأصل والأغاني ، وفي تاريخ بغداد : «حازم وابن حازم» بالحاء المهملة فيهما ، والصواب بالخاء فيهما ، فهو في البيت يذكر ولاءه لخزيمة بن خازم ، كان هو وأبوه من أشراف الدولة العباسية.
(٤) الأغاني : «أي الثريا».