ومعصيته ، وذلك أوثق الأمر في نفسها ، فكان نمروذ يخبر الناس قبل أن يولد إبراهيم أنه سيأتي نبي يغلبه ويظهر عليه ، ويرغب عن ملّته ويخلع دينه وسلطانه ، فذلك الذي شدّ لأم إبراهيم رأيها فيما ارتكبت من خلاف نمروذ وأهل ملته في إبراهيم. وكان أبوه من شدة ما يجده من الرّحمة يكتمه جهده ، ويوصي بذلك أمّه ويقول لها : ارفقي بابنك ، ولا تعرضيه لشيء من أمر الملك هذا ، فإنه غلام حديث السن لم يجتمع له رأيه ولا عقله بعد ، فإذا بلغ السن واحتنك فحينئذ نفتشه ، وذلك منه تربص رجاء أن يحدث حادث يكون لابراهيم فيه عافية أو مخرج لما يجد أبوه من المحبة والرحمة والمفة (١) والزينة التي زيّنه الله بها في عينه. ثم خلع إبراهيم ذلك كله ونابذهم في الله على سواء ، فلم ير فيه (٢) شيئا ولم يأخذه في الله هوادة ، ولم يخف في الله لومة لائم.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّويه ، أنا أبو الحسن أحمد بن معروف ، نا أبو محمّد حارث بن أبي أسامة ، أنا محمّد بن سعد (٣) ، أنا هشام بن محمّد بن السّائب الكلبي ، عن أبيه قال : كان أبو إبراهيم من أهل حران فأصابته سنة فأتى هرمز جرد ومعه امرأته أمّ إبراهيم واسمها نونا (٤) بنت كرنبا بن كوثى من بني أرفخشد بن سام بن نوح.
فأخبرنا محمّد بن عمر الأسلمي عن غير واحد من أهل العلم قال : اسمها أبيونا ، من ولد أفرايم (٥) بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.
قال (٦) : وأنا هشام بن محمّد عن أبيه قال : نهر كوثى كراه كرنبا جد إبراهيم من قبل أمّه ، وكان أبوه على أصنام الملك نمروذ ، فولد إبراهيم بهرمزجرد ، وكان اسمه إبراهيم ، ثم انتقل إلى كوثى من أرض بابل ، فلمّا بلغ إبراهيم وخالف قومه ودعاهم إلى عبادة [الله](٧) بلغ ذلك الملك نمروذ فحبسه ، في السجن بضع (٨) سنين ، ثم بنى له الحير
__________________
(١) كذا رسمها بالأصل ، وسقطت اللفظة من المختصر.
(٢) في المختصر : «ولم يراقب شيئا».
(٣) طبقات ابن سعد ١ / ٤٦.
(٤) انظر ما لاحظناه قريبا بشأن اسم أم إبراهيم.
(٥) رسمها غير واضح بالأصل ، والمثبت عن ابن سعد.
(٦) طبقات ابن سعد ١ / ٤٦.
(٧) زيادة عن ابن سعد.
(٨) في ابن سعد : سبع.