قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ). وتلاه (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) علم أنّ ثم مقاولة بين الكافر والشيطان ، لكنّها طرحت لما يدلّ عليها (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ). كأنّ الكافر قال : ربّ هو أطغاني. فقال قرينه : ربّنا ما أطغيته. بخلاف الجملة الأولى ، فإنّها واجبة العطف على ما قبلها ، للدلالة على الجمع بين معناها وبين معنى ما قبلها. والمعنى : ما جعلته طاغيا ، وما أوقعته في الطغيان (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) ولكن طغى واختار الضلالة على الهدى ، فأعنته عليه ، فإنّ إغواء الشيطان إنّما يؤثّر فيمن كان مائلا إلى الفجور ، كما قال : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) (١).
(قالَ) أي : الله تعالى (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) استئناف مثل قوله : (قالَ قَرِينُهُ).
كأنّ قائلا قال : فما ذا قال الله؟ فقيل : قال لا تختصموا لديّ ، أي : في موقف الحساب ، فإنّه لا فائدة في اختصامكم (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي ، فما تركت لكم حجّة عليّ. والجملة حاليّة ، فيها تعليل للنهي ، أي : لا تختصموا عالمين بأنّي أوعدتكم. والباء مزيدة ، مثلها في : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٢). أو معدّية على أنّ «قدّم» بمعنى : تقدّم. ولمّا كان قوله : «لا تختصموا ... إلخ» معناه : لا تختصموا عندي وقد صحّ عندكم أنّي قدّمت إليكم بالوعيد ، وصحّة ذلك عندهم يكون في الآخرة. فلا يقال : إنّ قوله : «وقد قدّمت» واقع موقع الحال من «لا تختصموا». والتقديم بالوعيد في الدنيا ، والخصومة في الآخرة ، واجتماعهما في زمان واحد واجب.
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) أي : بوقوع الخلف في أنّي أعاقب من جحدني وكذّب رسلي. فلا تطمعوا أن أبدّل وعيدي ، فأعفيكم عمّا أوعدتكم به. ويجوز أن يقع
__________________
(١) إبراهيم : ٢٢.
(٢) البقرة : ١٩٥.