(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) يعنون محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ دعاهم إلى توحيده وخلع الأنداد دونه (وَآمِنُوا بِهِ) بالله (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) بعض ذنوبكم ، وهو ما يكون في خالص حقّ الله ، فإنّ المظالم لا تغفر بالإيمان. ونحوه قوله تعالى : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (١). (وَيُجِرْكُمْ) ويخلّصكم (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) هو معدّ للكفّار.
(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) فلا يعجز الله ، إذ لا ينجى منه مهرب ، ولا يسبق قضاءه سابق. ونحوه قوله تعالى : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) (٢). (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) أنصار يمنعونه من الله ، ويدفعون عنه العذاب (أُولئِكَ) يعني : الّذين لا يجيبون داعي الله (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه.
واعلم أنّه اختلف في أنّه هل للجنّ ثواب كالإنس؟ فقال أبو حنيفة : لا ثواب لهم إلّا النجاة من النار ، لقوله : (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٣). والصحيح : أنّهم في حكم بني آدم ، لأنّهم مكلّفون مثلهم.
وعن عليّ بن إبراهيم قال : «فجاؤا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وآمنوا به ، وعلّمهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شرائع الإسلام ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) (٤) إلى آخر السورة ، وكانوا يعودون إلى رسول الله في كلّ وقت» (٥).
وفي هذا دلالة على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان مبعوثا إلى الجنّ ، كما كان مبعوثا إلى
__________________
(١) نوح : ٣ ـ ٤.
(٢) الجنّ : ١٢.
(٣) الأحقاف : ٣١.
(٤) الجنّ : ١.
(٥) تفسير عليّ بن إبراهيم ٢ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠.