(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) أجيبوا داعي ربّكم ـ يعني : محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فيما دعاكم إليه ورغّبكم فيه من المصير إلى طاعته (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) لا يردّه بعد ما حكم به. و «من» صلة لـ «مردّ». وقيل : صلة «يأتي» أي : من قبل أن يأتي يوم من الله لا يقدر أحد على ردّه (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ) مفرّ (يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) إنكار لما اقترفتموه ، أي : لا تقدرون أن تنكروا شيئا منه ، لأنّه مدوّن في صحائف أعمالكم ، وتشهد عليه ألسنتكم وجوارحكم.
(فَإِنْ أَعْرَضُوا) أعرض الكفّار ، أي : عدلوا عمّا دعوتهم إليه (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) رقيبا ، أي : مأمورا بحفظهم لئلّا يخرجوا عمّا دعوتهم إليه ، كما يحفظ الراعي غنمه لئلّا يتفرّقوا ، فلا تحزن لإعراضهم (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) ليس عليك إلّا إيصال المعنى إلى أفهامهم ، والبيان لما فيه رشدهم ، وقد بلّغت.
(وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) أي : إذا أوصلنا إليه نعمة ، من الصحّة والغنى والأمن (فَرِحَ بِها) بطرا أو أشرا. وأراد بالإنسان الجنس لا الواحد ، لقوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) من المرض والفقر والمخاوف (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أيدي المجرمين (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) بليغ الكفران ، ينسى النعمة رأسا ، ويذكر البليّة ويعظّمها ، ولا يتأمّل سببها. وهذا وإن اختصّ بالمجرمين ، لكن جاز إسناده إلى الجنس ، لغلبتهم واندراجهم فيه.
وتصدير الشرطيّة الأولى بـ «إذا» والثانية بـ «أن» لأنّ إذاقة النعمة محقّقة ، من حيث إنّها عادة مقتضاة بالذات ، بخلاف إصابة البليّة. وإقامة علّة الجزاء مقامه ، ووضع الظاهر موضع المضمر في الثانية ، للدلالة على أنّ هذا الجنس موسوم بكفران النعمة ، كما قال : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (١). (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٢).
__________________
(١) إبراهيم : ٣٤.
(٢) العاديات : ٦.