(وَفِي أَنْفُسِهِمْ) ما ظهر فيها بين أهل مكّة ، وما حلّ بهم من عجائب الصنع الدالّة على كمال قدرته. والاستقراء يطلعك ـ في التواريخ والكتب المدوّنة في مشاهد أهل الإسلام وأيّامهم ـ على عجائب ، بحيث لا ترى وقعة من وقائعهم إلّا علما من أعلام الله وآية من آياته ، يقوى معها اليقين ، ويزداد بها الإيمان.
(حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) الضمير للقرآن أو الرسول ، أي : يظهر لهم أنّ دين الإسلام هو دين الحقّ الّذي لا يحيد (١) عنه إلّا مكابر حسّه ، مغالط نفسه.
وعن عطاء معنى الآية : سنريهم حججنا ودلائلنا على التوحيد في آفاق العالم وأقطار السماء والأرض ، من الشمس والقمر والنجوم والنباتات والأشجار والجبال ، وفي أنفسهم ما فيها من لطائف الصنع وبدائع الحكم الّتي بيّنت جملة منها في علم التشريح ، حتّى يظهر لهم أنّ الله هو الحقّ. وما الثبات والاستقامة إلّا صفة الحقّ والصدق ، كما أنّ الاضطراب والتزلزل صفة الفرية والتزوير ، وأنّ للباطل ريحا تخفق ثمّ تسكن ، ودولة تظهر ثمّ تضمحلّ.
(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ) أو لم يكف ربّك. والباء مزيدة للتأكيد ، كأنّه قيل : أو لم تحصل الكفاية به. ومعنى كفايته سبحانه هاهنا : أنّه بيّن للناس ما فيه كفاية ، من الدلالة على توحيده وتصحيح نبوّة رسله. ولا تكاد تزاد الباء في الفاعل إلا مع «كفى». (أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) بدل منه. والمعنى : أو لم يكفك أنّه تعالى على كلّ شيء شهيد محقّق له ، فيحقّق أمرك بإظهار الآيات الموعودة ، كما حقّق سائر الأشياء الموعودة.
ومحصول المعنى : أنّ هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه ، فيتبيّنون عند ذلك أنّ القرآن تنزيل عالم الغيب الّذي هو على كلّ شيء شهيد ، أي : مطّلع مهيمن ، يستوي عنده غيبه وشهادته. فيكفيهم
__________________
(١) أي : لا يميل عنه.