(وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ) بربوبيّته (عِلْمٌ) المراد بنفي العلم نفي المعلوم. كأنّه قال : وأشرك به ما ليس بإله ، وما ليس بإله كيف يصحّ أن يعلم إلها. وفيه إشعار بأنّ الألوهيّة لا بدّ لها من برهان ، فاعتقادها لا يصحّ إلّا عن إيقان. (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) المستجمع لصفات الألوهيّة ، من كمال القدرة والغلبة ، وما يتوقّف عليه من العلم والإرادة ، والتمكّن من المجازاة ، والقدرة على التعذيب والغفران.
(لا جَرَمَ) لا ردّ لما دعاه إليه قومه. و «جرم» فعل بمعنى : حقّ ، وفاعله (أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ) أي : حقّ ووجب عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أصلا ، لأنّها جمادات ليس لها ما يقتضي ألوهيّتها. أو عدم دعوة مستجابة. أو عدم استجابة دعوة لها.
وقيل : «جرم» بمعنى : كسب ، من قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) (١). وفاعله مستكن في «تدعونني» أي : كسب ذلك الدعاء إليه أن لا دعوة له. بمعنى : ما حصل من ذلك إلّا ظهور بطلان دعوته.
وقيل : «لا جرم» نظير : لا بدّ ، فعل من الجرم بمعنى القطع ، كما أنّ بدّا فعل من التبديد ، وهو التفريق. والمعنى : لا قطع لبطلان دعوى ألوهيّة الأصنام ، أي : لا تزال باطلة ، لا ينقطع ذلك في وقت مّا فينقلب حقّا. ويؤيّده قولهم : لا جرم أنّه يفعل ، فإنّه لغة فيه ، كالرشد والرشد.
(وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) أي : وجب أنّ مرجعنا ومصيرنا إلى الله بالموت ، فيجازي كلّا بما يستحقّه (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) ووجب أنّ المسرفين في الضلالة والطغيان ، كالإشراك وسفك الدماء. وقيل : الّذين غلب شرّهم خيرهم. (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) ملازموها.
__________________
(١) المائدة : ٢.