في خسار وهلاك.
ثمّ عاد الكلام إلى ذكر نصيحة مؤمن آل فرعون ، فقال : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ) يعني : مؤمن آل فرعون. وقيل : موسى عليهالسلام. (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ) بالدلالة (سَبِيلَ الرَّشادِ) سبيلا يصل سالكه إلى المقصود.
وفيه تعريض بأنّ ما عليه فرعون وقومه سبيل الغيّ. وتكرّر النداء لزيادة تنبيه لهم ، وإيقاظ عن سنة الغفلة ، وأنّهم قومه وعشيرته ، وهم فيما يوبقهم ، وهو يعلم وجه خلاصهم ، ونصيحتهم عليه واجبة ، فهو يتحزّن لهم ويتلطّف بهم ، ويستدعي بذلك أن لا يتّهموه ، وأن يتنبّهوا على أنّ سرورهم سروره ، وغمّهم غمّه ، وينزلوا على تنصيحه لهم. كما كرّر إبراهيم عليهالسلام في نصيحة أبيه : (يا أَبَتِ) (١).
فلأجل ذلك كرّر النداء مرّة اخرى بقوله : (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) تمتّع يسير ، لسرعة زوالها.
ثمّ ذكّرهم تعظيم الآخرة والاطّلاع على حقيقتها ، وأنّها هي الوطن الحقيقي والمستقرّ الأصلي. وذكر الأعمال سيّئها وحسنها ، وعاقبة كلّ منهما ، ليثبّط عمّا يتلف ، وينشط لما يزلف ، فقال :
(وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) لخلودها (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) عدلا من الله. وفيه دليل على أنّ الجنايات تغرم بمثلها. (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) بغير تقدير وموازنة بالعمل ، بل أضعافا مضاعفة ، فضلا منه ورحمة. وتقسيم العمّال ، وجعل الجزاء جملة اسميّة مصدّرة باسم الاشارة ، وتفضيل الثواب ، لتغليب الرحمة. وجعل العمل عمدة والإيمان حالا ، للدلالة على أنّه شرط في اعتبار العمل ، وأنّ ثوابه أعلى من ذلك.
__________________
(١) مريم : ٤٢ ـ ٤٥.