بحسب ذلك ، فإنّها عرفت عادة الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم ، وكان غرضها أن يتبيّن لها بذلك أنّه نبيّ أو ملك ، فإن قبل الهديّة تبيّن أنّه ملك ، وعندها ما يرضيه ، وإن ردّها تبيّن أنّه نبيّ.
عن ابن عبّاس : أنّها أهدت إليه وصفاء (١) ووصائف ، ألبستهم لباسا واحدا حتّى لا يعرف ذكر من أنثى.
وعن مجاهد : أهدت مائتي غلام ، ومائتي جارية ، ألبست الغلمان لباس الجواري ، وألبست الجواري ألبسة الغلمان.
وعن ثابت البناني : أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج ، فلمّا بلغ ذلك سليمان أمر الجنّ فموّهوا له الآجر بالذهب ، ثمّ أمر به فألقي في الطريق. فلمّا جاؤا رأوه ملقى في الطريق في كلّ مكان ، فلمّا رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاؤا به.
وقيل : إنّها عمدت إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية ، فألبست الجواري الأقبية والمناطق ، وألبست الغلمان في سواعدهم أساور من ذهب ، وفي أعناقهم أطواقا من ذهب ، وفي آذانهم أقراطا مرصّعات بأنواع الجواهر. وحملت الجواري على خمسمائة رمكة (٢) ، والغلمان على خمسمائة برذون ، على كلّ فرس لجام وسرج من ذهب مرصّع بالجواهر.
وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب ، وخمسمائة لبنة من فضّة ، وتاجا مكلّلا بالدرّ والياقوت المرتفع. وعمدت إلى حقّة (٣) ، فجعلت فيها درّة يتيمة غير مثقوبة ، وخرزة جزعيّة (٤) مثقوبة ، معوجّة الثقب.
__________________
(١) وصفاء جمع الوصيف ، وهو الغلام دون المراهق. وتأنيثه : الوصيفة. وجمعها : الوصائف.
(٢) الرمكة : إناث الخيل ، والفرس تتّخذ للنسل. والبرذون : دابّة الحمل الثقيلة.
(٣) الحقّة : الوعاء الصغير.
(٤) الجزعة : خرز فيه سواد وبياض.