(قالُوا) قال الغاوون لمغويهم (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) عن أقوى الوجوه وأيمنها. أو عن الدين ، أو عن الخير. كأنّكم تنفعوننا نفع السانح ، فتبعناكم وهلكنا. مستعار من يمين الإنسان الّذي هو أقوى الجانبين وأشرفهما وأنفعهما ، ولذلك سمّي يمينا. أو من التيمّن بالسانح ، وهو صيد يعرض السالك من جانب يمينه متّصف بالتيمّن ، عكس البروح ، فإنّه صيد يعرض من جانب شماله موسوم بالتشاؤم. أو عن القوّة والقهر ، فتقسروننا على الضلال. أو عن الحلف ، فإنّهم كانوا يحلفون لهم أنّهم على الحقّ.
(قالُوا) ليس الأمر كما قلتم (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) بل أبيتم أنتم الإيمان ، واخترتم الكفر والطغيان. فهذا جواب الرؤساء بمنع إضلالهم إيّاهم ، وثبوت ضلالتهم في أنفسهم.
(وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) من قدرة وقوّة ، فنجبركم على الكفر والطغيان (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) مختارين الطغيان ، باغين تجاوز الحدّ إلى أفحش الظلم وأعظم المعاصي ، فلا تسقطوا اللوم عن أنفسكم ، فإنّه لازم لكم ولاحق بكم.
ثمّ أخبروهم أنّ ضلال الفريقين ووقوعهم في العذاب كان أمرا مقضيّا لا محيص لهم عنه ، وأنّ غاية ما فعلوا بهم أنّهم دعوهم إلى الغيّ ، لأنّهم كانوا على الغيّ ، فأحبّوا أن يكونوا مثلهم (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) أي : لزمنا قول الله ووعيده بأنّا ذائقون لعذابه لا محالة ، لعلمه بحالنا واستحقاقنا العقوبة.
(فَأَغْوَيْناكُمْ) أي : أضللناكم عن الحقّ ، ودعوناكم إلى الغيّ (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) داخلين في الضلالة والغواية ، فأردنا إغواءكم لتكونوا أمثالنا (فَإِنَّهُمْ) فإنّ الأتباع والمتبوعين جميعا (يَوْمَئِذٍ) في ذلك اليوم (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) كما كانوا مشتركين في الغواية ، والتخاصم لا ينفعهم.
(إِنَّا كَذلِكَ) مثل ذلك الفعل (نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) بكلّ مشرك ، لقوله : (إِنَّهُمْ