«سبّاق الأمّة ثلاثة ، لم يكفروا طرفة عين : عليّ بن أبي طالب ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون. فهم الصدّيقون ، وعليّ عليهالسلام أفضلهم».
ثمّ حكى سبحانه ما أنزله بقومه من العذاب والاستئصال ، فقال استحقارا لإهلاكهم ، وإيماء بتعظيم رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد قتله ، أو رفعه (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) من جنود السماء لإهلاكهم (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) وما صحّ في حكمتنا أن ننزّل جندا لإهلاك قومه ، كما أرسلنا وأنزلنا منها جنودا لم تروها يوم بدر والخندق ، حيث قال : (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (١) (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) (٢) (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (٣). وما كان ذلك إلّا تعظيما لرسوله وفضله وأمّته على سائر الأنبياء وأممهم. فكأنّه أشار بقوله : «وَما أَنْزَلْنا» «وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ» إلى أنّ إنزال الجنود من عظائم الأمور الّتي لا يؤهّل لها إلّا مثلك ، وما كنّا نفعله بغيرك.
وقيل : «ما» موصولة معطوفة على «جند» أي : وممّا كنّا منزلين على من قبلهم ، من حجارة وريح وأمطار شديدة.
ثمّ بيّن سبحانه بأيّ شيء كان هلاكهم ، فقال : (إِنْ كانَتْ) ما كانت الأخذة أو العقوبة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) صاح بها جبرئيل. وقرأ أبو جعفر بالرفع على «كان» التامّة ، أي : وما وقعت إلّا صيحة. والقياس والاستعمال على تذكير الفعل ، لأنّ المعنى : ما وقع شيء إلّا صيحة ، ولكنّه نظر إلى ظاهر اللفظ ، وأنّ الصيحة في حكم فاعل الفعل. (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ميّتون. شبّهوا بالنار ، رمزا إلى أنّ الحيّ كالنار الساطعة والميّت كرمادها ، كما قال لبيد :
__________________
(١) الأنفال : ٩.
(٢) آل عمران : ١٢٤ ـ ١٢٥.
(٣) آل عمران : ١٢٤ ـ ١٢٥.