والمراد نفي السؤال عنه ، فإنّه جعل التنبيء مستلزما لأحد الأمرين : إمّا الجنون ، وإمّا توقّع نفع دنيويّ عليه ، لأنّه إمّا أن يكون لغرض. أو لغيره ، وأيّا ما كان يلزم أحدهما. ثمّ نفى كلّا منهما.
وقيل : «ما» موصولة. وأراد ما سألهم بقوله : (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (١) (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢).
واتّخاذ السبيل ومودّة أهل البيت ينفعان لهم ، فلا ينافي قوله : «فهو لكم».
(إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) مطّلع ، يعلم صدقي وخلوص نيّتي ، في أنّي لا أطلب الأجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلّا منه ، ولا أطمع منكم في شيء.
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر بإسكان الياء.
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) أصل القذف : تزجية (٣) السهم ونحوه بدفع واعتماد ، ثمّ يستعار لمعنى الإلقاء بقوّة. ومنه (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) (٤). (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) (٥). والمعنى : ربّي يلقيه وينزّله على من يجتبيه من عباده. أو يرمي به الباطل فيدمغه. أو يرمي به إلى أقطار الآفاق. فيكون وعدا بإظهار الإسلام وإفشائه.
(عَلَّامُ الْغُيُوبِ) صفة محمولة على محلّ «إنّ» واسمها. أو بدل من المستكن في «يقذف». أو خبر ثان. أو خبر محذوف ، أي : هو علّام جميع
__________________
(١) الفرقان : ٥٧.
(٢) الشورى : ٢٣.
(٣) زجّى تزجية الشيء : دفعه برفق.
(٤) الأحزاب : ٢٦.
(٥) طه : ٣٩.