(رَحِيماً) بعباده ، حيث يراعي مصالحهم حتّى الجزئيّات منها.
ثمّ أوعد سبحانه هؤلاء الفسّاق بقوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عن نفاقهم (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف إيمان وقلّة ثبات عليه. أو فجور صادر عن تزلزلهم في الدين ، من قوله تعالى : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) (١).
(وَالْمُرْجِفُونَ) الّذين كانوا يرجفون (فِي الْمَدِينَةِ) بأخبار السوء عن سرايا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيقولون : هزموا وقتلوا ، وجرى عليهم كيت وكيت ، فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين. وأصل الإرجاف : التحريك ، من الرجفة ، وهي الزلزلة. سمّي به الإخبار الكاذب لكونه متزلزلا غير ثابت.
وفي الكلام حذف ، تقديره : إن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عمّا يؤلّفون من أخبار السوء. (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) لنأمرنّك بقتالهم. وقد حصل الإغراء لهم بقوله : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) (٢).
وبإجلائهم ، وبما يضطرّهم إلى طلب الجلاء. (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها) لا يساكنونك في المدينة. عطف على «لنغرينّك». و «ثمّ» للدلالة على أنّ الجلاء ومفارقة جوار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعظم ما يصيبهم ، فتراخت حاله عن حال المعطوف عليه. (إِلَّا قَلِيلاً) زمانا أو جوارا قليلا.
(مَلْعُونِينَ) نصب على الشتم ، أو الحال. والاستثناء شامل له أيضا ، كقوله : (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ) (٣). أي : لا يجاورونك إلّا ملعونين مبعدين عن الرحمة. وقيل : ملعونين على ألسنة المؤمنين. ولا يجوز أن ينتصب عن «أخذوا» في قوله : (أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها. والمعنى : أينما وجدوا وظفر بهم أخذوا وقتّلوا أبلغ القتل.
__________________
(١) الأحزاب : ٣٢.
(٢) التوبة : ٧٣.
(٣) الأحزاب : ٥٣.