(وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) مترفّع على كلّ شيء ، ومتسلّط عليه. أو مترفّع عن أن يشرك به.
ثمّ استشهد بأمر آخر على باهر قدرته ، وكمال حكمته ، وشمول أنعامه ، فقال :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) بإحسانه في تهيئة أسبابه.
والباء للصلة ، أو الحال. (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) من دلائله الدالّة على وحدانيّته ، وكمال قدرته وعلمه. ووجه الدلالة : أنّ الله تعالى يجري السفن بالرياح الّتي يرسلها في الوجوه الّتي تريدون المسير فيها ، ولو اجتمع جميع الخلائق ليجروا الفلك في بعض الجهات المخالفة لجهة الرياح لما قدروا عليه ، وفي ذلك أعظم دلالة على أنّ المجري لها بالرياح هو القادر الّذي لا يعجزه شيء ، وذلك بعض الأدلّة الدالّة عليه ، فلذلك قال : «من آياته».
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) على المشاقّ ، فيتعب نفسه بالتفكّر في الآفاق والأنفس (شَكُورٍ) يعرف النعم ، ويتعرّف مانحها. أو للمؤمنين ، فإنّ الإيمان نصفان : نصف شكر ، ونصف صبر.
(وَإِذا غَشِيَهُمْ) علاهم وغطّاهم (مَوْجٌ) متراكم بعضه على بعض (كَالظُّلَلِ) كما يظلّ من جبل أو سحاب أو غيرهما ، ويغطّي ما تحته (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد ، لعروض الخوف الشديد والدهشة العظيمة (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) مقيم على طريق القصد الّذي هو التوحيد. أو متوسّط في الكفر ، خافض عن غلوائه ، فانزجر بعض الانزجار.
(وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) غدّار أسوأ الغدر وأقبحه ، فإنّه نقض العهد الفطري (كَفُورٍ) لنعم الله.