(فَأَمَّا مَنْ
ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) يقال ثقل ميزان فلان إذا كان له قدر ومنزلة رفيعة ،
كأنه إذا وضع فى ميزان كان له به رجحان ، وإنما يكون المقدار والقيمة لأهل الأعمال
الصالحة ، والفضائل الراجحة ، فهؤلاء يجزون النعيم الدائم ويكونون فى عيشة راضية ،
تقرّ بها أعينهم ، وتسر بها نفوسهم.
ويرى بعض
المفسرين أن الذي يوزن هو الصحف التي تكتب فيها الحسنات والسيئات.
ولما ذكر نعيم
أهل الخير أردفه عقاب أهل الشر فقال :
(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ
مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) يقال خف ميزانه : أي سقطت قيمته فكأنه ليس بشىء حتى لو
وضع فى كفة ميزان لم يرجح بها على أختها ، ومن كان فى الدنيا كثير الشر ، قليل فعل
الخير ، فدسّى نفسه بالشرك واجتراح المعاصي وعاث فى الأرض فسادا ، لم يكن شيئا ،
فلا ترجح له كفة ميزان لو وضع فيها.
وعلى الجملة
فعلينا أن نؤمن بما ذكره الله من الميزان فى هذه الآية وفى قوله : «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ
الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ» ومن وزن الأعمال ، وتمييز مقدار لكل عمل ، وليس علينا
أن نبحث وراء ذلك ، فلا نسأل كيف يزن ، ولا كيف يقدر؟ فهو أعلم بغيبه ، ونحن لا
نعلم.
أما أن الميزان
له لسان وكفّتان فهذان لم يرد به نص عن المعصوم يلزمنا التصديق به ، وكيف يوزن
بهذا الميزان الذي تعلمه الإنسان فى مهد البداوة الأولى ، ويترك ما هو أدق منه مما
اخترع فيما بعد وهدى إليه الناس ، على أن جميع ما عمله البشر ، فهو ميزان للأثقال
الجسمانية لا ميزان للمعانى المعقولة كالحسنات والسيئات ، فلنفوض أمر ذلك إلى عالم
الغيب.
والمراد من كون
أمه هاوية ـ أن مرجعه الذي يأوى إليه مهواة سحيقة فى جهنم يهوى فيها ، كما يأوى
الولد إلى أمه ، قال أمية بن أبى الصلت :
فالأرض
معقلنا وكانت أمّنا
|
|
فيها مقابرنا
وفيها نولد
|