وقد روى عن عائشة أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «اللهم حاسبنى حسابا يسيرا ، قلت : وما الحساب اليسير؟ قال : ينظر فى كتابه ويتجاوز عن سيئاته ، فأما من نوقش الحساب فقد هلك».
ومن حوسب هذا الحساب اليسير رجع إلى أهله المؤمنين مسرورا مبتهجا قائلا : «هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ».
(٢) (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً. وَيَصْلى سَعِيراً) أي وأما الذين أكثروا من ارتكاب الجرائم ، واجتراح المعاصي ، فيؤتون كتبهم بشمائلهم من وراء ظهورهم ، ومدّ اليسار إلى الكتاب دليل الكراهة ، وأظهر فى الدلالة على الكراهة والنفور أن يستدبره ويعرض عنه فيكون من وراء ظهره.
وقصارى ما سلف ـ إن من عرض عليه كتابه وقدم إليه ليأخذه ، فاندفع إليه بعزيمة صادقة ، لشعوره بأنه مستودع الصالحات ، وسجلّ البر والكرامات ، فشأنه كذا وكذا.
ومن قدّم إليه كتابه وعرض عليه عمله ، فخزيت نفسه وخارت عزيمته ، فمد إليه يساره أو أعرض عنه فولاه ظهره لشعوره بأنه ديوان السيئات ، وسجّين المخازي فأمره كيت وكيت.
يرشد إلى ذلك ما ورد من التفصيل فى سورة الحاقة «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ» ودعوة الناس إلى القراءة علامة الفرح والنشاط وقوة العزيمة.
«وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ. يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ. ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ».
ولا شك أن هذا قول المخذول الكاره لما عرض عليه.