قلوب الكفار ، ذاك أنهم بعد أن عاينوا ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكره لهم ويشاهدونه فى دنياهم ولم يؤمنوا به ، تضطرب نفوسهم ، مخافة أن يحل بهم ما أنذروا به ، كما هى حال من تهدده بعقوبة إن لم يقلع عن جرائره ـ يهلع قلبه إن شاهد بوادر التنفيذ.
(أَبْصارُها خاشِعَةٌ) أي أبصار أصحابها خاشعة تظهر فيها الذلة والخوف.
وقد حكى الله عنهم أقوالا ثلاثة استبعدوا بها أمر البعث ، واستهزءوا فيها بالرسول والمؤمنين.
(١) (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ؟) أي يقول هؤلاء المكذبون بالبعث من مشركى قريش إذا قيل لهم إنكم مبعوثون من بعد الموت : أإنا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات ، فراجعون أحياء كما كنا قبل مماتنا.
وتقول العرب لكل من كان فى أمر ثم خرج منه ثم عاد إليه : قد رجع إلى حافرته : أي إلى أمره الذي كان فيه أوّلا.
(٢) (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً؟) أي أنردّ إلى الحياة بعد أن نصير عظاما بالية لو لمست لتفتّت؟
(٣) و (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) أي إن صح ما قلتم من البعث يوم القيامة بعد أن نصير عظاما نخرة ، فنحن إذا خاسرون ، لأنا كذبنا به ولم نأخذ العدّة له ، فياويلنا فى هذا اليوم! وهذا منهم استهزاء وتهكم ، اعتقادا منهم أن ذلك لن يكون.
وقد ردّ الله عليهم مقالتهم بقوله :
(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) أي لا تستبعدوا ذلك وتظنوه عسيرا شاقّا علينا ، فإنما هى صيحة واحدة ، وهى النفخة الثانية التي يبعث الله بها الموتى فإذا الناس كلهم على سطح الأرض أحياء.