جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم لقول حق لا مجال للريب فيه ، وهو جدّ لا هزل فيه ؛ فمن حقه أن يهتدى به الغواة ، وتخضع له رقاب العتاة.
أخرج الترمذي والدارمي عن علىّ كرم الله وجهه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنها ستكون فتنة ، قلت : فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال : كتاب الله ، فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم. هو الذي لا تزيغ فيه الأهواء ، ولا تشبع منه العلماء ، ولا تلتبس به الألسن ، ولا يخلق على كثرة الردّ ، ولا تنقضى عجائبه. هو الذي لم تنته الجن لما سمعته أن قالوا : «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ» من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمل به أجر ، ومن هدى به هدى إلى صراط مستقيم».
ثم بين ما يدبرونه للمؤمنين وما تحويه صدورهم من غلّ لهم فقال :
(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) أي إنهم يمكرون بالناس بدعوتهم إلى مخالفة القرآن بإلقاء الشبهات كقولهم : «إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا» قولهم : «مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟» أو بالطعن فيه بكون الرسول ساحرا أو مجنونا أو شاعرا ، أو تبييتهم قتله ، كما جاء فى قوله : «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ».
بعدئذ ذكر ما قابلهم ربهم به وما جازاهم عليه كفاء عملهم فقال :
(وَأَكِيدُ كَيْداً) أي وأقابل كيدهم بنصر الرسول وإعلاء دينه ، وجعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ، وقد سمى مجازاتهم كيدا منه ، للتجانس فى اللفظ كما قال : «نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ». وقال عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |