المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه مجىء يوم القيامة ، وبين أن الناس حينئذ صنفان أشقياء وسعداء ؛ وأن الأشقياء يكونون فى غاية الذل والهوان ، وأن السعداء يكونون يومئذ مستبشرين بادية على وجوههم علائم المسرة ـ أعقب هذا بإقامة الحجة على الجاحدين المنكرين لذلك ، وتوجيه أنظارهم إلى آثار قدرته فيما بين أيديهم ، وما يقع تحت أبصارهم من سماء تظلّ ، وأرض تقلّ ، وإبل ينتفعون بها فى حلّهم وترحالهم ، ويأكلون من لحومها وألبانها ويلبسون من أوبارها ، وجبال تهديهم فى تلك الفيافي والقفار.
أخرج عبد بن حميد فى آخرين عن قتادة قال : لما نعت الله تعالى ما فى الجنة تعجب من ذلك أهل الضلالة ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات.
الإيضاح
(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) أي أينكر هؤلاء المشركون ما ذكرنا من أمر البعث وما يتصل به من سعادة وشقاء ، ويستبعدون وقوعه ، ولا يتدبرون فى الإبل التي هى نصب أعينهم ، ويستعملونها فى كل حين؟ ولو أنهم تدبروا فى خلقها لرأوا خلقا بديعا لا يشاكل خلق أكثر الحيوان ، فلها من عظم الجثة ، وشدة القوة ، وعظيم الصبر على الجوع والعطش ما لا يشاركها فيه حيوان آخر ـ إلى أنها تحتمل المشاقّ ، وتنهض بالأوقار ، وتقطع شاسع المسافات ، حتى لقبوها : سفينة الصحراء ـ قال شاعرهم :
ما فرّق الألا |
|
ف بعد الله إلا الإبل |
وما غراب |
|
البين إلا ناقة أو جمل |
إلى أنها تنقاد للصغير والكبير وتحمل أذاهما. قال العباس بن مرداس :
وتضربه الوليدة بالهراوى |
|
فلا غير لديه ولا نكير |