[خطبة ابن زياد عند دخوله الكوفة]
[و] لمّا نزل القصر [وأصبح] ، نودي : الصلاة جامعة ، فاجتمع النّاس فخرج فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين ـ أصلحه الله ـ ولاّني مصركم وثغركم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متّبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كلوالد البرّ ، وسوطي وسيفي على مَن ترك أمري وخالف عهدي ، فليبقَ امرؤ على نفسه ، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.
ثمّ نزل فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً ، فقال : اكتبوا إليّ الغرباء ومَن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومَن فيكم من الحروريّة (١) وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمَن كتبهم لنا فبرئ ، ومَن لمْ يكتب لنا أحداً فيضمن لنا ما في عرافته ألاّ يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ، فمَن لمْ يفعل برءت منه الذمّة وحلال لنا ماله وسفك دمه. وأيّما عرّيف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لمْ يرفعه إلينا صلب على باب داره ، وأُلقيت تلك العرّافة من العطاء وسيّر إلى موضع بعمان الزارة (٢) ، (٣).
_________________
(١) أي : الخوارج ، نسبته إلى حروراء من نواحي الكوفة أوّل موضع اجتمع به الخوارج في منصرفهم من صفّين قبل وصولهم إلى الكوفة. والعرّافة : كانت من وظائف الدولة لمعرفة الرعيّة وتنظيم عطائهم من بيت المال ، وقد كان بالكوفة : (مئة عرّيف). وكان العطاء يدفع إلى امرء أرباع الكوفة الأربعة ، فيدفعونه إلى : العرفاء والنقباء وإلاّمناء فيدفعونه إلى أهله في دورهم ٤ / ٤٩ ، وكان يؤمر لهم بعطائهم في المحرم من كلّ سنة ، وبفيئهم عند طلوع الشعرى في كلّ سنة ؛ وذلك إدراك الغلاّت ٤ / ٤٣ ، وكانت العرّافة حتّى على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ٣ / ٤٤٨.
(٢) عمان الزّارة ، هي : عمان المعروفة على ساحل الخليج قرب بحر عمان ، وهي حارّة شديدة الحرارة ؛ ولذلك يُوعد ابن زياد بتبعيد المخالفين إليها لشدّة العيش به.
(٣) والخبر ٥ / ٣٥٨. قال ابو مِخْنف : حدثني المعلّى بن كليب ، عن أبي ودّاك ، قال ... الإرشاد / ٢٠٢ ،