[موقف ابن زياد]
ولمّا طال على ابن زياد وأخذ لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتاً كما كان يسمعه قبل ذلك ، قال لأصحابه : أشرفوا ، فانظروا هل تَرون منهم أحداً؟ فأشرفوا فلمْ يروا أحداً. قال : فانظروا لعلّهم تحت الظلال (١) قد كمنوا لكم ، ففزعوا بحابح المسجد (٢) وجعلوا يخفضون شعل النّار في أيديهم ، ثمّ ينظرون هل في الظلال أحد. وكانت أحياناً تُضيء لهم وأحياناً لا تُضيء لهم كما يُريدون ، فدلّوا القناديل وأنصاف الطّنان (٣) تشدّ بالحبال ، ثمّ تجعل فيها النيران ثمّ تدلّى حتّى تنتهي إلى الأرض ، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها ، حتّى فعلوا ذلك بالظلّة التي فيها المنبر ، فلمّا لمْ يروا شيئاً أعلموا ابن زياد ، [فـ] ـأمر [كاتبه] عمرو بن نافع (٤) فنادى : ألاَ برءت الذمّة من رجل من : الشرطة والعرفاء أو ، المناكب أو المقاتلة صلّى العتمة إلاّ في المسجد.
فلمْ يكن إلاّ ساعة حتّى امتلأ المسجد من النّاس.
فقال [له] الحصين بن تميم [التميمي] ، وكان على شرطته (٥) : إنْ شئت
_________________
وكان ابنها مولى لمحمّد بن الأشعث ، فلمّا علم به الغلام انطلق إلى محمّد فأخبره فانلطق محمّد إلى عبيد الله فأخبره ، فبعث عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي إليه ، وكان صاحب شرطه ، ومعه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث ، فلمْ يعلم مسلم حتّى أحيط بالدار» ٥ / ٣٥٠. ويأتي قريباً ، أنّ صاحب شرطته كان الحصين بن تميم.
(١) الظلال جمع : الظلّة ، وهي : السّقيفة.
(٢) جمع بحبوحة : السّاحة الفسيحة وأفنيتها.
(٣) الطنّان جمع : الطنّ ، وهو : الحزمة من القصب.
(٤) هو كاتبه الذي كتب له كتابه إلى يزيد بقتل مسلم (عليه السّلام) ، وكان أوّل مَن أطال في الكتب فكرهه ابن زياد ٥ / ٣٨٠.
(٥) بعثه ابن زياد إلى القادسيّة ؛ لينظّم الخيل ما بينها إلى خفّان والقطقطانة ، ولعلع ٥ / ٣٩٤. وهو