عذاب يوم القيامة ، وهو عظيم ، وأيّ عظيم نعوذ بالله منه.
قيل (١) في الآية أحكام ، ما عرفناها بل لم يظهر كون بعضها حكما في نفس الأمر مثل وجوب اتّخاذ المساجد كفاية ، ووجوب عمارة ما استهدم منها ، ووجوب شغلها بالذكر ، واستحباب كلّ واجب كفائي عينا فتأمّل وهو أعلم.
الثامنة: (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (٢).
فيها حثّ عظيم وترغيب جزيل على تعمير المساجد ، وأنّ له شأنا كبيرا عند الله حتّى أنّه لا بدّ من اتّصاف فاعله بهذه الأوصاف الجليلة ، وإلّا ففعله كعدمه فينبغي أن يكون التعمير ممّن يقيم الصّلاة ويؤتي الزكاة ، ولم يخش إلّا الله وإلّا فتعميره ليس تعميرا مرضيّا.
والمراد المبالغة ، وإلّا فالتعمير أمر مطلوب للشارع من كلّ مؤمن ويترتّب عليه ثوابه الّذي قرّره [الله] ولكن قد يكون فيه الزيادة بالإخلاص ، واتّصاف فاعله بالأفعل الحسنة ، ولا بعد في ذلك ، ولهذا قيل «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» فكأنّه إشارة إلى أنّ المؤمن الكامل لم يترك شيئا من العبادات ، بل يجعل غير الله معدوما حتّى لم يخف ممّا يهلكه من الانس والجنّ ، ويجعل خوفه وطمعه منحصرا فيه تعالى ، ومع ذلك يرجى أن يكون من المهتدين.
ثمّ إنّه قيل يحتمل أن يكون المراد بالتعمير رمّ المساجد بإصلاح ما يستهدم وتزيينها ، وإزالة ما تكره النفس منه ، مثل كنسها ، فإنه روي : من كنس مسجدا يوم الخميس وليلة الجمعة وأخرج من التراب مقدار ما يذرّ في العين غفر له (٣) والإسراج فيها روي أنّه من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش
__________________
(١) راجع كنز العرفان ج ١ ص ١٠٦.
(٢) براءة : ١٩.
(٣) الوسائل أبواب أحكام المساجد الباب ٨.